رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

امین الخولی d. 1385 AH
203

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

ژانرها

2

وهو قول لا يفترق كثيرا عن الفكرة العامة في الفلسفة، وأنها دائما هي البحث الحر عن الحقيقة مهما تختلف الاعتبارات في تعريفها.

فإذا ما عرضنا صنيع أبي العلاء في آثاره المختلفة على الفلسفة كما عرفت تبين لنا ما يأتي:

أولا:

ليس لأبي العلاء بحث بالمعنى الصحيح عن الحقيقة، وليس هنالك إلا خواطر منثورة في جملة، أو فقرة قصيرة، أو منظومة في بعض شطر، أو في شطر من بيت، أو في بيت، أو بيتين، أو أكثر من ذلك قليلا، فليس من الإنصاف لتاريخ الفلسفة ولجهد الفلاسفة أن يسمى مثل هذا الصنيع فلسفة وبحثا، مهما تتناول هذه المنثورات أو المنظومات من آراء وفكر فلسفية، ومهما يكن نوع الفلسفة التي تشير إليها هذه الفقر والمعاني الإجمالية إشارات مبهمة، أو لامحة مجملة لا أكثر ولا أقل، وإنما قول أبي العلاء في كل ذلك هو أشبه شيء بالمثل العامي ينتظم فكرة، قد تكون رأس فلسفة، وخلاصة مذهب، وما هي في حساب قائلها الأول أو ضاربها الثاني إلا مغزى حكاية، وثمرة ممارسة؛ وملحظا واقعيا لحادثة أو عمل كان، وذلك شيء غير البحث الفلسفي والتأمل الدارس، الذي يجرد المتفلسف قواه له، ويصطنع له منهجه، ويأخذ نفسه بطريقته في المعرفة؛ ليعرف حقائق الأشياء على ما هي عليه كما يقول الأقدمون، وليفكر ويقدر، ويسبب ويعلل.

ثانيا:

أن مسألة المعرفة - وهي شطر الفلسفة - لم نستطع أن نعرف لصاحبنا فيها اتجاها، ولا منهج تفكير، فهو فيما عرضنا - أول الحديث - من شعره ونثره في أدوار حياته المختلفة، ومراحل سنه المتباعدة، يثبت إمكان المعرفة ويذكر وسائطها، وينكر إمكان المعرفة، ويهدر تلك الوسائط واحدة واحدة، فهو يوقن، وهو يشك، وهو يحار، وهو يطمئن، وهو ينفي، وهو يثبت، وهو لا يثبت، ولا ينفي، فلا يسع المدقق إلا أن يعد ما نظمه أبو العلاء في المعرفة ومذاهبها ضربا من الشعر التعليمي يمكن اتخاذ عناوين منه لمختلف الآراء في المناهج التفكيرية الفلسفية، أو يمكن اتخاذ عناوين له من تلك المذاهب التفكيرية. وأما أن يكون شيء من ذلك النظيم والنثير مذهبا في المعرفة خاصا فما أحسب هذا يهون ولا يقبل! وكما لا نطمئن إلى أن لهذا المتحدث عن الفلسفيات دستورا للتفكير أو البحث.

ثالثا:

إذا ما كانت الفلسفة هي الحكمة العملية بالأدلة والأفكار كما في تعريف إيبيقور الذي احتسبوا أبا العلاء صديقا لفلسفته، فلئن كنا قد نتسمح بأنه يسوق في آثاره فكرا فإنه لا يستدل لها إلا بالتشابه اللفظي بين الكلمتين، أو بالملاحظة الساذجة، أو المناسبة المستملحة على ما يشعر به المتصل اتصالا ما، بشعره ونثره، ولا حاجة بنا إلى الاستكثار بسوق الشواهد المجتمعة عليه هنا؛ لأنه واضح مستبين يجده القارئ في كل ما يصيب من آثار صاحبنا، ومثل هذا من المجانسة أو المشاكلة أو المشابهة أو المناسبة وما إليها في لفظ وتعبير لن يعد في حساب الفلسفة استدلالا ولا شبيها به، وإلا فقل لي بربك: كيف يدل اتخاذ الكلل للنساء على أنهن أذى وكيد يحبسن فيها؟ وكيف يدل اتفاق النعش والانتعاش في لفظهما على فضل الموت ووجوب التخلص من الحياة؟ وكيف وكيف مما يعرفه من قرأ آثار أبي العلاء؟! وهل هان الاستدلال الفلسفي إلى هذا الحد فصارت الصنعة اللفظية التي يمقتها الأدب وينكرونها أو ينكرون الكثير منها على أبي العلاء عملا فلسفيا عقليا يسلك به الرجل في زمرة الحكماء إذا جودل في احتسابه من الشعراء؟

رابعا:

صفحه نامشخص