بعد ذلك أغاز ملك الهند بجيش جرار وأفيلة كثيرة على هذه الديار، وكانت جيوش الملك بعيدة عنه، ولم يستطع أن يقاوم العدو بهذا العدد الحاضر من جيوشه، وقد استشار قادة جيشه وأمراء دولته فى دفع التمرد، فرأى البعض المصلحة فى المقاومة، ورأى الآخرون السلامة فى الهزيمة، ولم يكن فى كلا الرأيين المصلحة للممالك والبلاد والعباد، فالتفت الوزير بوجهه للملك وقال: فكرت وأستطيع أن أقول فى الخلاء، فأذن له الملك بالخلوة، فقال الوزير: إذا استصوب الملك رأيى فإنى بكل راحة أهلك الجيش والعدو، فقال الملك: كيف يكون هذا؟. قال: الرأى الصواب فى اللحظة التى أغادر فيها حضرتك ويأتى الأمراء فيقول الملك: إن الوزير هو الذى تسبب فى هذه الفتنة ومقدم جيش العدو، وأن تأمر باعتقالى فى الحال وأن تغيروا على ما أملك، وأن تحضروا نسائى وأبنائى وحشمى وخدمى إلى الملك، وأن تأمر بأن يطوفوا بى حول المدينة وفى أسواقها وأنا عارى الرأس والحبل فى عنقى، وأن ينادى مناد ويقول: هذا جزاء العبد الذى خان سيده، وكان يعيش منافقا ويقصد المملكة، وأن يحملونى إلى وسط الميدان، ويسملوا كلتا عينى ويحملونى على محفة ويثبتونى على ناقة ويجرونى أمام المغيرين، وأن ينيخوا الجمل فى مفترق طرقهم فى تلك الصحراء، ويتركونى ويعودوا، وأن تشقوا من المكان الذى أنا فيه إلى وسط الصحراء طريقا فى عشرة أيام طوله عشرة أميال، بحيث يكون من الميل ميل آخر، ويكتبوا على الأخير أن كل من وصل إلى هنا مات ولم ينج بروحه واحد من مائة ألف، فأسوقهم إلى الصحراء وأهلكهم جميعا بشرط أن يحسن الملك إلى من تبقى منهم.
صفحه ۵۴