قال أفلاطون: والثنايا خاصة لها بصيص يستدل منه على القوة المربوطة.
قال أحمد: إن البصيص غير المفارق دليل أن القوة المطلوبة فى هذا النوع قد ربطت بالشىء ومازجته ممازجة يعسر فراقه. ومن الأشياء ما تكون القوى فيها غير محكمة الوثاق فتنحل عن الشىء بسرعة. واعلم أن البصيص فى جميع الأشياء قوة طالبة لمفارقة الشىء قد عسر عليها، أعنى القوة، فراق ذلك الشىء المخالط لها.
قال أفلاطون: وسائر الأعضاء السفلية فقسه إلى العلوية وتدبر.
قال أحمد: لما كان الفيلسوف قد أخبر عن أعضاء الرأس ما قد تقدم، استغنى عن الكلام فى الجسد، إذ كان لا يخلو ما فى الجسد أن يكون له شبه ومشاكلة من أعضاء الرأس.
قال أفلاطون: ولا بد من الكلام فى المخ، إذ هو مثلث قابل للجنس البسيط.
قال أحمد: ما أحسن هذا القول وأبين صوابه وأحرى أن تشتغل النفس بتفهمه! ولولا أن الكلام فى تفسير هذا القول يطول طولا يمنع عن إخبار المقصود فى هذا الوقت، لكنت أصرف أكثر همى إلى الإخبار بما تتبين به صحة هذا القول ويكشف عن غامضه، وإن كنت قد أخرجت ذلك فى كثير من كتبى على غاية البيان والبرهان فلا أخلى هذا الفصل من قول مختصر يتبين للناظر فيه معنى لفظ الفيلسوف:
اعلم أن جل الأوائل اتفقوا أن مسكن النفس العقلية الدماغ، وأنه كجرم المصباح فى ذلك الموضع، فقد نفذ نوره فى الجسد؛ وأن العضو الغالب فيه النفاذ والمؤدى إلى سائر الأعضاء القوة هو المخ، لأنه مثلث التركيب، وهو أقرب أعضاء الجسد مشاكلة للبسيط.
قال أفلاطون: لولا أنه سريع القبول للفساد، لكان ينبغى أن يعتمد — إلى أن قال: فاستعمله إن أردت للمحمود وتحرز من المذموم.
صفحه ۱۳۵