وقد وضع الفيلسوف أعمالا يمنع بها القوى الغريزية من مفارقة الشىء حتى يربطه بالذى يريد. فيخشى أن تكون هذه القوة التى فى هذا العضو للطافة القوة واسترخاء العضو مفارقة قبل أن تستمكن منه. وأما مشاركته للدماغ فى مجانسة النير، وهو من الآراء المتفق عليها جل الأوائل أن الذى يخص الشمس من الناس من الظاهر: العين، ومن الباطن: الدماغ.
قال أفلاطون: وأنت من غيره فى العمل أحوج إليه، لأنه يولد مثله وغير ذلك مما يستحيل عند الأكثر.
قال أحمد: إن هذا الكلام ليس من جنس هذا الكتاب، وقد تجاوزت أكثر ألفاظه إلى ما ينبغى أن أخبر به.
قال أفلاطون: فلا تستعمله لأنك واجد ما قد ارتفع ثلاث درجات.
قال أحمد: إن اللحم عكر الطبيعة، والغالب عليه الرطوبة والتركيب المجسم فلا تستعمله فإنك واجد ما قد ارتفع عنه ثلاث درجات، لأن اللحم استحالته إلى فوق عصب، والعصب استحالته إلى فوق شعر. فالذى يقول إنك تجده هو الشعر — فتفهمه.
قال أفلاطون: والعصب دون الشعر، إلا أنه أرطب.
قال أحمد: إنه قد طال كلامى فى أن الأشياء الرطبة أسرع تحليلا، إلا أنها أبطأ تنقية؛ فأنا مستغن عن إعادته.
قال أفلاطون: والأسنان تستحيل من العصب فى الجهتين: ففيه ما قد ارتفع عن الشعر، وفيه ما انخفض.
قال أحمد: يعنى بالجهتين: الفوق والأسفل. وقوله: «إن فيه ما قد ارتفع عن الشعر وفيه ما قد انخفض» — فإن الشعر مرتفع عن الأسنان فى اللطافة والنفاذ، متقاصر عنها فى قوة التركيب.
قال أفلاطون: فإن اضطررت إلى استعمالها فاستعمل الثنايا وما جاورها ودع الأضراس.
قال أحمد: لما صارت الأضراس أكثر تخلخلا صارت العوارض الفاسدة إليها أسرع وفيها أنفذ منها فى الثنايا وما جاورها. فخليق أن تقصد إلى الثنايا لقلة العوارض الفاسدة ثم لما هى مخصوصة به من ملاقاة الهواء الملطف لبعض الأجسام.
صفحه ۱۳۴