والثاني غير طبيعي وهو متى كان بالفعل نارًا أو ماء أو هواء فكان فوق بالفعل، وأسفل بالقوة.
وهذه القوة في النار من حيث نار بالطبع لأن النار بذاتها أن تكون فوق بالفعل، ويلزم ذلك أن تكون أسفل بالقوة من أجل الهيولى الأولى المشتركة. وقد تكون أسفل بالقوة، وهو إذا كانت أيضًا بالفعل، فأمسكها ماسك فوق فهذه القوة للحجر ليست طبيعية، لكنها بالطبع من أجل الهيولى.
وقد بين أبو نصر في كتابه في الموجودات المتغيرة كيف يصير ما هو بالقوة الطبيعية. وأسفل، أسفل بالفعل، وكيف يتحرك بحركة محركة فليؤخذ علم ذلك من هناك.
فإذن الأرض تحتاج إلى المتحرك. فأما الأرض إذا تحركت إلى فوق فهي أسفل بالفعل، وقوتها على فوق قوة طبيعية، لكن لا على أنها حجر. فأما قوتها إلى فوق وهي حجر فهي لها بالطبع، على وجه ما قد لخص في غير هذا الموضع، فتحتاج إلى محرك قاسر فإذن ما كان له المتحرك والمحرك طبيعيين، فهو متحرك بذاته، كحركة الحيوان المكانية، لأن ذلك لا يمكن إلا في الحركة المكانية فقط. وأما الاستحالة فليس يجتمع المحرك والمتحرك في شيء بالطبع.
والفحص عن ذلك يليق بغير هذا الموضع كحركات الصنائع، مثال ذلك أن يكون الطبيب مريضًا، فها هنا يجتمع المحرك والمتحرك في شيء واحد، ويتطبب المريض من ذاته، لكن ليس ذلك بالذات لكن بالاتفاق. فليكن هذا مبدأ لما نريد أن نقوله فنقول: إن من البين المقر به أن الحجر إذا زال القاسر تحرك إلى أسفل، فكان هبوطه شافعًا لزوال القاسر، وزوال القاسر له مبدأ. وقد تبين في الثامنة أن مزيل القاسر محرك بوجه ما، فإن الحجر إنما تحرك بزوال العائق، فكلاهما محرك، لكن مبدأ الحركة كما تبين هنالك إنما هو مزيل العائق، وعند ذلك صار الحجر ما كان له أن يكون، فإن الثقل ليس بمحرك بطبيعته، إذ لو كان محركًا بطبيعته، لكان له محرك بالطبيعة، والمتحرك عنه إنما هو بالقسر. ومن هنا يتبين ما قاله أرسطو في الثامنة أن الجمادات ليس تفعل بل تنفعل. فأما كيف حرك الثقل الحجر فنحن نقول فيه: قد تبين في مواضع كثيرة أن الهيولى لا صورة لها، ولا هي شيء موجود بالفعل. وإنما وجودها أبدًا بالقوة إحدى المقولات العشر، وهذا هو مرتبتها في الوجود. وبين أيضًا أن الموجود ينقسم إلى المقولات العشر، وإن الجوهر الكائن الفاسد قوامه بهذا الموضع الذي هو الهيولى الأولى، وبمعنى آخر هو به موجود، وهو الصورة. والهيولى يوجد فيها ضرورة أكثر من مقولة واحدة، فإنه ليس يمكن ن يوجد جوهر هيولاني خلوًا من أعراض كثيرة، ومثل أن يكون ذا كم وذا أين وذا كيف إلى غير ذلك من أجناس المقولات العشر، لكن تتقدم في الهيولى ضرورة أحد أنواع الجوهر، ولذلك يوجد في الهيولى ما يوجد فيها من أنواع المقولات التسع، وقوام ما فيه المقولات التسع إنما هو بما في مقولة الجوهر، وما في مقولة الجوهر يوجد في حدود ما في المقولات التسع. ولا يمكن أن يكون شيء مما في المقولات وقوامه خلو من الجوهر، وبهذا يفارق الجوهر الأعراض، فإن الجوهر إنما هو معنى يوجد في المادة الأولى، والمادة الأولى إنما هي موجودة كما قلنا بأنها بالقوة وإنما هي بالقوة أحد الجواهر من حيث هي ما هي، فهي بالقوة أحد أنواع العرض من حيث هي جوهر ما، وكذلك هي بالفعل أحد الجواهر بذاتها وهي أنواع الأعراض فإنها جوهر ما.
وقد يتشكك على هذا القول فيقال: إنها لا تكون بالقوة جوهرًا غلا وهي جوهر آخر، لكن ذلك بالعرض لا بالذات، لأن ما بالقوة ليس بمفارق الموجود لأنه لو كان مفارقًا لكان ما بالقوة موجودًا بالفعل شيئًا واحدًا وهذا بين بنفسه عند مزاولة الصناعة الطبيعية أيسر مزاولة.
1 / 12