رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

اخوان الصفا d. 375 AH
50

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

ژانرها

فقد تبين بما ذكرنا أن علة عظم الصوت إنما هي بحسب عظم الأجسام المصوتة وشدة صدمها وكثرة تموج الهواء في الجهات عنها، فنقول: إن أعظم الأصوات صوت الرعد، وقد بينا علة حدوثه في رسالة الآثار العلوية، ولكن نذكر هنا ما لا بد منه.

أما علة حدوثه فهو أن البخارين الصاعدين في الجو من البحار والبراري إذا ارتفعا في الهواء واختلطا واحتوى البخار الرطب اليابس الذي هو الدخان، واحتوى الزمهرير على البخارين الرطب واليابس وحصرهما انضغط البخار اليابس في جوف البخار الرطب والتهب وطلب الخروج، فدفع البخار الرطب وخرقه، فيفرقع البخار الرطب من حرارة ذلك الدخان اليابس، كما تفرقع الأشياء الرطبة إذا احتوت عليها حرارة النار دفعة واحدة.

ويحدث من ذلك قرع في الهواء ويندفع إلى جميع الجهات، وينقدح من خروج ذلك الدخان اليابس في جوف السحاب ضوء يسمى البرق، كما يحدث من دخان السراج المنطفئ إذا أدني من سراج مشتعل، ثم ينطفئ.

وربما يذوب من ذلك البخار الرطب شيء من جوف السحاب ويصير ريحا ويدور في خلل السحاب وجوف الغيوم، ويطلب الخروج، ويسمع له دوي وتقرقر، كما يسمع الإنسان من جوفه إذا كان يعرض له ريح وانتفاخ، وربما ينشق السحاب دفعة واحدة مفاجأة، فتخرج تلك الريح ويكون منها صوت هائل يسمى صاعقة.

فهذه علة صوت الرعد وكيفية حدوثه، فأما أصوات الرياح وعلة حدوثها فهي: أن الرياح ليست شيئا سوى تموج الهواء شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وفوقا وتحتا، فإذا صدم في حركته وجريانه الجبال والحيطان والأشجار والنبات وتخللها؛ حدث من ذلك فنون الأصوات والدوي والطنين مختلفة الأنواع، كل ذلك بحسب كبر الأجسام المصدومة وصغرها وأشكالها وتجويفها، ويطول شرحها.

وأما أصوات المياه في جريانها وتموجها وتصادمها مع الأجسام، فإن الهواء؛ للطافة جوهره وسيلان عنصره يتخللها كلها، ويكون حدوث تلك الأصوات وفنون أنواعها بحسب تلك الأسباب التي ذكرناها في أمر الرياح، وأما أصوات الحيوانات ذوات الرئة واختلاف أنواعها وفنون نغماتها فهي بحسب طول أعناقها وقصرها وسعة حلاقيمها وتركيب حناجرها وشدة استنشاقها الهواء وقوة إرسال أنفاسها من أفواهها ومناخرها، يطول شرحها.

وأما أصوات الحيوانات التي ليست لها رئة كالزنابير والجراد والصرصر وما شاكلها؛ فإنها تحرك الهواء بجناحين لهما سرعة وخفة، فيحدث من ذلك أصوات مختلفة كما يحدث من تحريك أوتار العيدان، وتكون فنونها واختلاف أنواعها بحسب لطافة أجنحتها وغلظها وطولها وقصرها وسرعة تحريكها لها.

وأما الحيوانات الخرس كالسمك والسرطان والسلاحف وما شاكلها فهي خرس؛ لأن ليس لها رئة ولا جناحان، وأن اختلاف تلك الأصوات يكون بحسب شدة يبسها وصلابتها وكمية مقاديرها من الكبر والصغر والطول والقصر والسعة والضيق وفنون أشكالها من التجويف والتقبيب والثقب وقوة الصدمة وما يعرض فيها من الأسباب - كما سنبين ذلك في موضعه.

وأما فنون أصوات الآلات المتخذة للتصويب كالطبول والبوقات والدبادب والدفوف والسرناي والمزامير والعيدان، وما شاكلها، فهي بحسب أشكالها وجواهرها التي هي متخذة منها وكبرها وصغرها وطولها وقصرها وسعة أجوافها وضيق ثقبها ورقة أوتارها وغلظها، وبحسب فنون تحريك المحركين لها.

ونحتاج أن نذكر من هذا الفن طرفا إذ كان أحد أغراضنا من هذه الرسالة تبيان ماهية الموسيقى الذي هو ألحان مؤتلفة ونغمات متزنة، وهو المسمى الغناء، ولما تبين بما ذكرنا أن الغناء إنما هو ألحان مؤتلفة، واللحن هو نغمات متزنة، والنغمات المتزنة لا تحدث إلا من حركات متواترة بينها سكنات متتالية؛ احتجنا أن نذكر أولا ما الحركة وما السكون، فنقول: إن الحركة هي النقلة من مكان إلى مكان في زمان ثان، وضدها السكون وهو الوقوف في المكان الأول في الزمان الثاني.

صفحه نامشخص