رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
ژانرها
واعلم أن صناعة البرهان نوعان هندسية ومنطقية، فالأوائل التي في صناعة الهندسة مأخوذة من صناعة أخرى قبلها مثل قول إقليدس: النقطة هي شيء لا جزء له، والخط طول بلا عرض، والسطح ما له طول وعرض، وما شاكل هذه من المصادرات المذكورة في أوائل المقالات، فهكذا أيضا حكم البراهين المنطقية؛ فإن أوائلها مأخوذة من صناعة قبلها، ولا بد للمتعلمين أن يصادروا عليها قبل البرهان، فمن ذلك قول صاحب المنطق: إن كل شيء موجود سوى الباري - جل جلاله - فهو إما جوهر وإما عرض، ومثل قوله: إن الجوهر هو القائم بنفسه، القابل للمتضادات، وإن العرض هو الذي يكون في الشيء لا كجزء منه، يبطل من غير بطلان ذلك الشيء.
ومثل قوله: إن الجوهر منه ما هو بسيط كالهيولى والصورة، ومنه ما هو مركب كالجسم، ومثل قوله: إن كل جوهر فهو إما علة فاعلة أو معلول منفعل، ومثل قوله: كل علة فاعلة فهي أشرف من معلولها المنفعل، ومثل قوله: ليس بين السلب والإيجاب منزلة، ولا بين العدم والوجود رتبة، وإن العرض لا فعل له، وما شاكل هذه المقدمات التي يصادر عليها المتعلمون قبل البراهين.
وينبغي لمن يريد النظر في البراهين المنطقية أن يكون قد ارتاض في البراهين الهندسية أولا، وقد أخذ منها طرفا؛ لأنها أقرب من فهم المتعلمين وأسهل على المتأملين؛ لأن مثالاتها محسوسة مرئية بالبصر، وإن كانت معانيها مسموعة ومعقولة؛ لأن الأمور المحسوسة أقرب إلى فهم المتعلمين.
واعلم بأن البراهين سواء كانت هندسية أو منطقية فلا تكون إلا من نتائج صادقة، والنتيجة الواحدة لا بد لها من مقدمتين صادقتين أو ما زاد على ذلك، بالغا ما بلغ، مثال ذلك ما بين في كتاب إقليدس في البرهان على أن ثلاث زوايا من كل مثلث مساوية لزاويتين قائمتين، لم يكن ذلك إلا بعد اثنين وثلاثين شكلا، وعلى هذا المثال سائر الأشكال تحتاج إلى براهين أخر، وأن مربع وتر الزاوية القائمة مساو لمربعي الضلعين لم يكن البرهان عليه إلا بعد ستة وأربعين شكلا، ويسمى هذا الشكل بشكل العروس، وعلى هذا المثال سائر المبرهنات، وهكذا أيضا حكم البراهين المنطقية، وربما تكفيه مقدمتان، وربما يحتاج إلى عدة مقدمات.
مثال ذلك في البرهان على وجود النفس مع الجسم تكفي ثلاث مقدمات، وهي هذه: كل جسم فهو ذو جهات، وهذه مقدمة كلية موجبة صادقة في أولية العقل، والمقدمة الأخرى وليس يمكن الجسم أن يتحرك إلى جميع جهاته دفعة واحدة، وهذه مقدمة كلية سالبة صادقة في أولية العقل، والمقدمة الثالثة وكل جسم يتحرك إلى جهة دون جهة فلعلة ما تحرك له مقدمة كلية صادقة في أولية العقل، فينتج من هذه المقدمات وجود النفس، والذي ينبغي ليبرهن بأنها جوهر لا عرض أن يضاف إلى هذه المقدمات التي تقدمت هذه الأخرى وكل علة محركة للجسم لا تخلو أن تكون حركتها على وتيرة واحدة في جهة واحدة، مثل حركة الثقيل إلى أسفل، والخفيف إلى فوق، فتسمى هذه علة طبيعية، وأما أن تكون حركتها إلى جهات مختلفة، وعلى فنون شتى بإرادة واختيار مثل حركة الحيوان، فتسمى نفسانية، وهذه قسمة عقلية مدركة حسا، وكل علة محركة للجسم بإرادة واختيار فهي جوهر، فالنفس إذن جوهر؛ لأن العرض لا فعل له، وهذه مقدمات مقبولة في أوائل العقول، فينتج من هذه أن النفس جوهر.
(15) فصل في كيفية البرهان على أنه ليس في العالم خلاء
ومعنى الخلاء هو المكان الفارغ الذي لا متمكن فيه وليس يعقل في العالم مكان لا مضيء ولا مظلم، مقدمة كلية سالبة صادقة في أولية العقل، مقدمة أخرى: وليس يخلو النور والظلمة أن يكونا جوهرين أو عرضين، أو أحدهما جوهرا والآخر عرضا، وهذه أقسام عقلية صحيحة، مقدمة أخرى فإن يكونا جوهرين فإذن الخلاء ليس بموجود، أو عرضين فالعرض لا يقوم إلا في الجوهر، فالخلاء إذن ليس موجودا، وإن يكن أحدهما جوهرا والآخر عرضا فهكذا الحكم.
(16) فصل في البرهان على أنه ليس في العالم لا خلاء ولا ملاء
اعلم يا أخي بأن الخلاء والملاء صفتان للمكان، والمكان صفة من صفات الأجسام، فإن كان خارج الفلك جسم آخر، فقولنا: العالم، نعني به ذلك الجسم مع الفلك جميعا، فمن أين خارج العالم شيء آخر.
(17) فصل في معنى قول الحكماء: هل العالم قديم أو محدث؟
صفحه نامشخص