139

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

ژانرها

قوله: أن لا يستعمل في البرهان الأعراض الملازمة إنما هو؛ لأن الأعراض الملازمة لا تفارق الأشياء التي هي لازمة لها، كما أن العلة لا تفارق معلولها، وذلك أنه متى حكم على شيء بأنه معلول، فقد وجب أن له علة فاعلة له، والأعراض الملازمة، وإن كانت لا تفارق فليست هي فاعلة له، مثال ذلك أن الموت وإن كان لا يفارق القتل، فإنه ليس له بعلة، ولا القتل أيضا علة للموت ذاتية؛ إذ قد يكون موت كثير بلا قتل فلا يكون معلول بلا علة.

وأما قوله: وأن تكون العلة ذاتية للشيء فإنما قال هذا من أجل أنه قد يكون للشيء الواحد علل عرضية، ولكنها لا تكون مستمرة في جميع أنواع ذلك الجنس، ولا جميع أشخاص النوع؛ كالقتل الذي هو علة عرضية للموت غير مستمرة في جميع أنواعه، ولكن تحتاج أن تكون العلة ذاتية، حتى تكون القضية صادقة قبل العكس وبعده، كقولك: كل ذي لون فهو جسم، فإذا عكسته وقلت: وكل جسم فهو ذو لون؛ لأنه لا يوجد شيء ذو لون إلا وهو جسم، فإذن الجسم علة ذاتية لذي اللون.

وأما قوله: وأن تكون المقدمة كلية، فمن أجل أن المقدمات الجزئية لا تكون نتائجها ضرورية، ولكن ممكنة، كقولك: زيد كاتب وبعض الكتاب وزير، فيمكن أن يكون زيد وزيرا، وأما إذا قيل: كل كاتب فهو يقرأ وزيد كاتب، فإذن زيد بالضرورة قارئ.

(13) فصل في أن الحكم بالصفات الذاتية

وأما قوله: وأن يكون كون المحمول في الموضوع كونا أوليا فمن أجل أن المحمولات في الموضوعات على نوعين منها أوليات، ومنها ثوان، مثال ذلك كون ثلاث زوايا في كل مثلث كونا أولا؛ لأنها هي الصورة المقومة له، فأما أن تكون حادة أو قائمة أو منفرجة، فهو كون ثان، فقد استبان أنه لا يستعمل في القياس البرهاني إلا الصفات الذاتية الجوهرية، وهي الصورة المقومة للشيء، وبها يكون ذلك الحكم المطلوب الذي يخرج في النتيجة الصادقة.

واعلم يا أخي أن الصفات الذاتية الجوهرية ثلاثة أقسام جنسية ونوعية وشخصية، كما بينا في رسالة إيساغوجي، فأقول: واحكم حكما حتما كما تعلمه ولا تشك فيه بأن كل صفة جنسية فهي تصدق عند الوصف على جميع أنواع ذلك الجنس ضرورة، وهكذا أيضا كل صفة نوعية فهي تصدق على جميع أشخاص ذلك النوع عند الوصف لها، فهذه الصفات هي التي تخرج في النتيجة صادقة، فاستعملها في البرهان، واحكم بها.

وأما الصفات الشخصية فإنها ليس من الضرورة أن تصدق على جميع النوع، ولا كل صفة نوعية تصدق على جميع الجنس، فلا تستعملها في البرهان، ولا تحكم بها حكما حتما؛ فإنك لست منها على حكم يقين، فقد عرفت واستبان لك أن الحكماء والمتفلسفين ما وضعوا القياس البرهاني إلا ليعلموا به الأشياء التي لا تعلم إلا بالقياس، وهي الأشياء التي لا يمكن أن تعلم بالحس ولا بأوائل العقول، بل بطريق الاستدلال، وهو المسمى البرهان.

واعلم يا أخي بأن لكل صناعة أهلا، ولأهل كل صناعة أصولا في صناعتهم، هم متفقون عليها، وأوائل في علومهم لا يختلفون فيها؛ لأن أوائل كل صناعة مأخوذة من صناعة أخرى قبلها في الترتيب.

(14) فصل في أن صناعة البرهان نوعان

واعلم بأن أوائل صناعة البرهان مأخوذة مما في بداية العقول، وأن التي في بداية العقول مأخوذة أوائلها من طريق الحواس - كما بينا قبل.

صفحه نامشخص