رهگذران مسلمان در قرون وسطی
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
ژانرها
وقد ذكر الرحالة بخل منسا سليمان سلطان مالي في عبارة ظريفة تشهد بما اعتاده من كرم الأمراء والسلاطين، قال: «ولما انصرفت بعث إلي الضيافة، فوجهت إلى دار القاضي. وبعث القاضي بها رجاله إلى دار ابن الفقيه. فخرج ابن الفقيه من داره مسرعا حافي القدمين، فدخل علي وقال: «قم قد جاءك قماش السلطان وهديته. فقمت وظننت أنها الخلع والأموال، فإذا هي ثلاثة أقراص من الخبز وقطعة لحم بقري مقلو بالغرتى، وقرعة فيها لبن رائب؛ فعندما رأيتها ضحكت وطال تعجبي من ضعف عقولهم وتعظيمهم للشيء الحقير.»
وطبيعي أن السودان في تلك المملكة كانوا يتكلمون لغة غير العربية، ولعل المسلمين المقيمين فيها من العرب والبربر كانوا يتعلمون تلك اللغة الوطنية. وقد أشار ابن بطوطة إلى وجود مترجم في بلاط الملك كان وساطة الكلام بينه وبين من لا يعرفون لغة البلاد. وكان لهذا المترجم شأن كبير بارز في البلاد فكان كالأمين الأول للملك.
وتحدث ابن بطوطة عن كثير من أحوال السكان في تلك البلاد وعن عاداتهم البدائية، وأعجب بقلة الظلم في بلادهم، وشمول الأمن بحيث لا يخاف المسافر فيها ولا القيم من سارق ولا غاصب؛ كما ذكر أنهم لا يتعرضون لمال من يموت في بلادهم من البيض، يتركونه لثقة من جنس المتوفى حتى يأخذه مستحقه. وأشار إلى عنايتهم بحفظ القرآن وإقبالهم على صلاة الجماعة، وحرصهم على لبس الثياب البيض النظيفة يوم الجمعة، حتى إنه إذا لم يكن لأحدهم إلا قميص بال غسله ونظفه وشهد به الجمعة. ولكن ضايق ابن بطوطة أن رأى الخدم والجواري والبنات الصغار يظهرن للناس عرايا باديات العورات، كما أغمه أن النساء كن يدخلن على السلطان عرايا غير مستترات وأن بنات السلطان نفسه كن عرايا.
ومن طريف ما ذكره ابن بطوطة عن السودان أن منسا موسى أحد ملوك مالي كان قد غضب على قاض من البيض، فنفاه إلى بلاد الزنوج الذين يأكلون بني آدم. وأقام هذا القاضي عندهم أربع سنين ثم رجع إلى مملكة مالي. ولم يأكله الزنوج لبياضه؛ فقد كانوا يعتقدون أن أكل الأبيض مضر؛ لأنه لم ينضج بعد! أما الأسود فهو وحده ذو اللحم الناضج.
وغادر الرحالة مدينة مالي ورأى في النيجر فرس البحر لأول مرة في حياته. ثم وصل إلى مدينة تمبكتو وشاهد بها قبر سراج الدين بن الكويك أحد كبار التجار من أهل الإسكندرية، وكان قد جاءها ليقتضي مالا له كان السلطان منسا موسى اقترضه منه لما كان بمصر متوجها إلى الحج. وشاهد كذلك قبر الشاعر المهندس أبي إسحق الساحلي الغرناطي. وكان هذا الشاعر قد لقي منسا موسى في مكة أثناء تأدية فريضة الحج؛ ثم صحبه بعد ذلك إلى بلاد السودان، وشيد له قصره الملكي والمسجد الجامع في تمبكتو.
3
واصل ابن بطوطة السفر شرقا في الصحراء حتى وصل إلى مدينة تكدا. وذكر أن أهلها لا عمل لهم إلا التجارة «يسافرون كل عام إلى مصر، ويجلبون ما بها من حسان الثياب وسواها». وكان سلطانها من البربر، ولعله كان زعيم قبيلة المسوفة. وذكر ابن بطوطة أن أهل تكدا كانوا في رفاهية وسعة حال، وكانوا يتفاخرون بكثرة العبيد والخادمات. وكان معدن النحاس يوجد بكثرة على مقربة من بلدهم فكانوا يأتون به، ويسبكونه في دورهم، وينصعون منه قضبانا في طول شبر ونصف بعضها دقاق وبعضها غلاط، ويتخذون هذه القضايا صرفا لهم فيشترون برقاقها اللحم والحطب، ويشرون بغلاظها العبيد والخدم والذرة والسمن والقمح. •••
وكانت هذه المدينة آخر مرحلة في رحلة ابن بطوطة، فقد وصل إليه فيها رسول من قبل السلطان أبي عنان، يطلب إليه الرجوع إلى فاس. فغادر تكدا في الحادي عشر من شهر شعبان سنة 754ه/11 سبتمبر سنة 1353، ووصل إلى فاس بعد سفر ثلاثة شهور.
والحق أن رحلة ابن بطوطة إلى بلاد السودان ليست أقل شأنا من رحلته الكبرى؛ فقد كان أول رحالة الآفاق المجهولة في الصحراء الكبرى، وكتب عن مشاهداته فيها.
4 •••
صفحه نامشخص