وإذا ثبت تأثير الأشياء كما قلنا، واستدل امرؤ عليه من حيث استدللنا، فمعلوم أن المؤثر بعيد الشبه عن مؤثره، وأن من ولي تصوير المصور متعال عن مساواة مصوره، وأنه إن قرب من الشبه منه، أولم يفرق بينه - جل ثناؤه - وبينه، في كل معنى من معانيه، وفيما جل أو دق مما فيه، جعل كهو في عجزه ومقاديره، وذل ضعفه وتأثيره، وعاد المؤثر مؤثرا، ومصور الأشياء مصورا، فأثبتوا على المؤثر سمة المؤثرين، وأضافوا إلى الله تعالى ذلة تصوير المصورين، وكان في قولهم، وما سلكوا من سبيلهم، المؤثر مؤثرا، ومصور الأشياء مصورا، وصانعها مصنوعا، ومصنوعها صانعا، وبديعها مبتدعا، ومبتدعها بديعا.
وهذا من قول القائلين، ومعمد جهل الجاهلين، عين متناقض المحال، ونفس متدافع الأحوال، الذي لا يقوم له في الأوهام صورة، ولا من فطر معقولات الأقوال فطرة، وفي ذلك أن تكون الأشياء موجودة لا موجودة، ومفقودة في الحال التي وجدت فيها لا مفقودة، وصار المخلوق لا مخلوقا، والخالق في قولهم لا خالقا، فتعالى - العلي الأعلى، الذي نهج إلى معرفته سبلا ذللا، - عما وصفه به المشبهون، وافترى في التشبيه به المفترون، ونحمده على ما عرفنا به من الفرق، فيما بينه وبين جميع الخلق، ونعوذ به من جهل ما جهل من توحيده، ونستعينه على ما ألهمنا من شكره وتمجيده، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما.
صفحه ۱۷۶