وأما قوله: نافر الله الإنسان فقال :{ فليدع ناديه، سندع الزبانية } [العلق: 18]. ثم افتخر بغلبته - زعم - لقرية أو لأمة أهلكها من الأمم الخالية. فما في هذا ويله من نافر وافتخر، لا ولكنه أوعد وحذر، بما فيه لمن عقل مزدجر، وعبرة كافيه ومد كر، وهذه من لفظاته الأولى، وشبيهتهن في الدناءة والعمى، فيا ويله ما أغلب عليه قول السفال والبهتان، وأجهله بما يدور بين أهله من هذا اللسان، الذي لا يصاب إلا به تأويل القرآن، ولا يتبين بغيره من الألسن ما يتبين به من البيان، فليقبل من أراده قبل تعلمه، ولا يحكم على القرآن بوهمه، فإن ابن المقفع إنما استعار أحرفه، فأما معناها فجهله وحرفه، يسمع منا في ذكر الله لفظا، فوعاه كما سمع حفظا، ثم ثبته إلى نوره وضلالته كذبا، فأنشأ يمدح به غير الممدوح تلعبا، والمعاني منه فأعجمية، والأسماء التي سمى فعربية.
وأما قوله: انقلب وأنشأ. فكلمتان ليس لهما في الله معنى، لقبح مخرجهما، وضلال منهجهما، عن كلام أهل القدر والنهى، وإنما قبلهما من الناس عنالطبقة السفلى!
ومن قال له ياويله انقلب عليه خلقه ؟! وأنه أنشأ سبحانه يقاتله ويغالبه ؟! هذا ويله فما لم يقل به في الله قط، منذ كانت الدنيا مقتصد ولا مفرط.
وأما قوله: عمل يديه، ودعاء كلمته، ونفخة روحه. فكله منه على ما توهمه زور وبهتان، وأكثر قوله فيه هذر وهذيان، وليس فيما فنن في هذا من قوله، لا في قصره ولا في طوله، أكثر من أن الله أحدث صنعا، وأبدع لا شريك له بدعا.
فإن قال قائل ولم أوجد صنعه ؟! وما العلة التي لها أبدع بدعه ؟! فهي الاختيار فيما أنشأ، وإظهار حكمته فيما أبدى، جودا منه وكرما لا يشوبه حسد، ولا يجب به إلا له فيه حمد، وكفى بهذه لصنعه علة، وفيما سأل عنه جوابا ومسألة.
صفحه ۱۶۵