وأما قوله: عليه اللعنة في آيات المرسلين، وتمثيله لها بسحر الساحرين، فغير بدع بحمد الله منه وقبله، ما قال إخوانه من الكافرين فيها قوله، أما سمعتم قول فرعون وملائه، عندما رأوا من نور الحق وضيائه، { إن هذان لساحران } [طه: 63] فبينا هو يقول أيها الساحر إذ قال إنك لمسحور، وبينا قريش تقول لمحمد صلى الله عليه ما هذا إلا سحر إذ قالوا إنك لمجنون، ولعمري لو كان موسى ومحمد صلى الله عليهما ساحرين عندهم وفيهم، لكان ذلك بينا جليا لديهم لا يخفى منه شيء عليهم، كما كان يتبين لهم سحر السحرة والكهان، يوقنونه منهم بحقيقة الايقان، ولا يدعون سحرهم جنونا، ولا ساحرهم مسحورا، غلطا وعتها، وعماية وعمها .
هذا ليعلم أن قولهم فيه لم يكن إلا كذبا وافتراء، وأن السحر لم يكن عندهم ما يشك فيه ولا يمترى.
كيف ويله وويل أسلافه، ومن تبعه بعده من أخلافهم وأخلافه، يسمى سحرا أو جنونا ؟ ما يملأ بطونا وعيونا! وترى آثاره اليوم إلى الدهر الأطول دائمة، ومواقعه في بطون الآكلين والشاربين من الظمأ والجوع باقية، ما هذه بطريقة السحر المعروف، ولا يعرف السحر بوصف من هذه الو صوف، إلا أن يكون في مومه وعماه، وشدة تباعده عن هداه، يبصر اليوم من السحر ما لم يكونوا يبصرون، أو يظهر السحرة اليوم له منهم ما لم يكونوا يومئذ يظهرون، والسحر يومئذ فيهم ظاهر منشور، وصاحبهم إذ ذاك عندهم مكرم محبور، ومن أظهر اليوم السحر، لم يكن له عند الأمة عقوبة إلا القتل، ما أوضح الأمور، وأبين الساحر والمسحور، وليس في هذا شغل، لأحد ممن يعقل، مع أنك لم تر قط أحدا يسحر، إلا وهو يعبث في سحره ويسخر، ولم تره وإن سحر إلا مسترذلا، وسفلة دنيا نذلا .
صفحه ۱۶۴