فأول ما نجيبه أن نقول له: ينبغي أن تعلم أن كتاب الله لا يتناقض ولا يختلف، ولا يكذب بعضه بعضا، لأن الاختلاف لا يأتي من عند حكيم، وقد قال تبارك وتعالى:{ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } [النساء:82]. فإذا علمت أن ذلك كذلك، فقد وضح لك الأمر، أمر الآية من قبل أنه أخبرنا أن خلق الإنس والجن لعبادته، وقال في موضع آخر:{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}. ثم أخبرك من هم فقال: { لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها...... } [الأعراف: 179] إلى آخر الآية. فينبغي لك إذا ورد عليك شيء من كتاب الله، مما ذهب عنك معناه، أن تسأل عنه العلماء، فإن الله عز وجل، يقول:{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [النحل: 4]. وقال:{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } [فاطر:28]. وليس ينبغي لعاقل أن يدع ما علم لما جهل، وليس لك أن تشك في الواضح إذا ذهب عنك الخفي، فينبغي للعاقل أن يتمسك بالواضح من كتاب الله، وبالمحكم من كلام الله، فإن في ذلك تبيانا وشفاء لمن طلب الحق وأراده. وقد رغب الخلق في التمسك بالمحكم من كتابه، فقال: { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، يقولون آمنا به } [آل عمران: 7]. وأنا مخبرك بتأويل الآية: قال بعض أهل العلم: إن معنى قوله:{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}. يريد الإعادة ولم يرد ابتدأهم لجهنم. ألا ترى أنهم كانوا في الدنيا يتمتعون ويأكلون !
صفحه ۳۷۸