لا شك أن المعروف عن جماعات الأطباء أنهم أهل إيثار وطيب نفس بالتضحية، بالغة ما بلغت، في سبيل الواجب. ولكنني أراهم اليوم قد ظهروا بأشد مظاهر الأثرة وحب الذات، فلقد أبوا إلا أن يستأثروا دون سائر الناس بالدعوة إلى تكريم الدكتور علي «باشا» إبراهيم!
اللهم إن الطب من مزايا الدكتور علي إبراهيم حقا، ولكنه ليس جميع مزاياه، فإذا كان للأطباء أن يحتفلوا به في يوم من الستين فإن من حق العلماء الموسرين من الثقافة الثمينة الغالية أن يحتفلوا به أيضا، كذلك من حق نقده الفنون الجميلة أن يفرد لهم نصيب جليل في الاحتفال بزعيم الناقدين، ولا تنسوا الدعاة إلى الإصلاح الاجتماعي، وإخوانهم المضطلعين بإثارة النشاط الاقتصادي، فإن هؤلاء وهؤلاء ينبغي أن يخصوا بحظ من هذا التكريم كبير، وكذلك القول في العاملين على إشاعة البر والنجدة، والإسراع إلى معونة الضعفاء العافين.
ولا ريب في أن ممن ظلموا بهذه الأثرة ظلما بينا أصحاب البداءة من أولاد النكتة النافذة، فما كان ينبغي أن يحرموا كذلك الاشتراك في تكريم هذا الأستاذ العظيم!
وكيفما كان الأمر، فإنه إذا كان حضرات الأطباء قد أبوا إلا حبا للذات، واستئثارا بالدعوة إلى إقامة هذا الاحتفال، فإن الأعياد السبعينية والثمانينية وما يليها قادمة إن شاء الله، وحينئذ تستطيع هذه الطوائف المحرومة المظلومة أن ترد لحضراتهم الجميل!
وبعد، فلا ريب في أن من ترامت إلى علمه عبقريات الدكتور علي إبراهيم، وآثاره الضخام في الجراحة على وجه خاص، ولم يكن قد رأى شخصه أو طالع اسمه، لا يمكن أن يتصوره إلا عملاقا ضخم الجسم فارع الطول، لا يحيط النظر بمساحته جملة، ولكنه إنما يدركه بالتقسيط، ولكن الله قادر على كل شيء، قد أودع كل هذه الصروح الشمخرة من العبقريات في هذا الجسم اللطيف الدقيق.
وليس على الله بمستنكر
أن يجمع العالم في واحد
وما شاء الله كان!
سيداتي، سادتي
لا تنتظروا مني أن أبسط القول في مواهب الدكتور علي «باشا» إبراهيم، فقد كفاني المئونة في هذا حضرات الخطباء والشعراء الكرام، ولكنني أذكر حادثة واحدة تدل على مبلغ دقة هذا الرجل العظيم، وحرصه الغريب على أداء الواجب على وجهه، دون أن يفته منه مقدار خردلة واحدة.
صفحه نامشخص