189

ولقد يكون العاشق المدنف من أصحاب القلم، أو من المنتحلين لصناعة القلم، فلا يستحي إذا لاح له شبح الدرجات من أن يكتب للناس: هل أدلكم على أكبر أديب وأعلم عالم؟ إنه والله الوزير القائم، ولقد عقدت له إمارة البيان فأضحى ولا يتعلق بغباره فهيا إنس ولا جان، وأما من يليه في هذه الإمارة، فهو ولا ريب سعادة وكيل الوزارة! وهكذا كلما انصرف وزير ووكيل، وخلفهما وزير ووكيل، ولو تصرم الجيل بعد الجيل!

ولعمري، لو قد ذكر الله تعالى أحد هؤلاء بعض ذكره للدرجة، لرقي في الآخرة درجة الصديقين، وتبوأ مجلسه معهم في أعلى عليين!

وأما غرام الشهرة فشأنه أعجب وأغرب، وإن في هؤلاء المتيمين بالشهرة وذهاب الصيت لمن يرجو أن تعيد الحكومة شنق المجرمين في الميادين العامة، حتى إذا عدم وسيلة إلى بعد الصيت، وسيرورة الذكر أدعى على نفسه جرما لم يقترفه، وقتلا عمدا لم يجترحه؛ ليحظى بالشنق على أعين الآلاف المؤلفة من الرجال والنساء والأطفال.

ولهذا غرام الشهرة مذاهب وفنون لا يتسع للتصرف فيها هذا المقال، ولعل من أبدع وأروع ما قد رأينا في الماضي القريب، أن خلقا من الخلق مغرمون متيمون بأن يشتهروا بالعلم والأدب، في حين ليست لهم وسيلة إلى شهرة في العلم والأدب، ولا ينعتهم أحد بعلم ولا أدب، إذن فليزجوا إلى الصحف المقال بعد المقال لا يضمن شيئا إلا تزكية أنفسهم، والإشادة بفضلهم، والهتاف بتفردهم بالأدب والبيان، وبراعتهم في هذا كل إنسان!

على أنه أيضا لم تظهر لهم شهرة، ولم يسر لهم ذكر ولم ينعتهم بشيء منه أحد، إذن فكيف الحيلة يا ناس في إطفاء هذه اللوعة، وإبراد هذا الغرام؟

لم يبق من سبيل إلى هواه إلا أن يهدم كل من يظن أنهم بسابقتهم وموضعهم من أهل الفضل والأدب، يحولون بينه وبين مناه حتى يصبح وإياهم بدرجة سواء.

ولكن أنى له ذلك كذلك، وليست له ساق يقوم عليها لهدم ولا لبناء؟

يا سبحان الله! وهل لا بد للتطاول من قدم وساق؟ اللهم إن له في النباتات المتسلقة كاللوف واللبلاب لمثلا جليلا، وإذن فليتسلق على كل مرتفع عال من الناس، فإذا عدم الهدم لخذلان يده لم يعدم أن يؤذن بعلمه وفضله، وأدبه وبيانه من هذا المرتفع السابق!

أصدقت يا سيدي القارئ، أن هناك عواطف ليس جماعها القلوب ولا الكبود، وأن هناك غراما غير ما يعهد الناس من الغرام له سعير أحمى من كل سعير وضرام ألذع من كل ضرام؟

علي إبراهيم في المرآة

صفحه نامشخص