قوت القلوب
قوت القلوب
پژوهشگر
د. عاصم إبراهيم الكيالي
ناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م
محل انتشار
لبنان
أُوتِيَ خَيْرًا كَثيرًا) البقرة: ٢٦٩، قال: الفهم في كتاب الله ﷿ وقال أحسن القائلين: (فَفَهَّمْناهَا سُليْمانَ وَكُلًاّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الأنبياء: ٧٩ فرفع الفهم مقامًا فوق الحكم والعلم وأضافه إليه للتخصيص وجعله مقامًا عامًا فيهما فإذا فهم العبد الكلام وعامل به المولى تحقق بما يقول وكان من أصحابه ولم يكن حاكيًا لقائله مثل أن يتلو منه: (إني أَخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظيمٍ) يونس: ١٥ ومثل أن يقول: (عليك توكلنا وإليك أَنَبْنَا) الممتحنة: ٤، ومثل قوله: (ولنصبرنّ على ما آذيتمونا) إبراهيم: ١٢ فيكون هو الخائف لليوم العظيم ويكون هو المتوكّل المنيب وهو الصابر على الأذى متوكل على المولى ولا يكون مخبرًا عن قائل قاله فلا يجد حلاوة ذلك ولا ميراثه فإذا كان هو كذلك وجد حلاوة التلاوة وتحقق جزء الولاية، وكذلك إذا تلا الآي المذموم أهلها الممقوت فاعلها مثل قوله تعالى: (وَهُمْ في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) الأنبياء: ١ وقوله: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) النجم: ٢٩، ومثل قوله ﷿: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات: ١١ فما أقبح من يعيب ذلك وهو من أهله وما أعظم أن يذم أهل ذلك وهو بوصفه فهذا من حجج القرآن عليه فلا يجد مع ذلك حلاوة المناجاة ولا يسمع خطاب المناجي لأن وصفه المذموم قد حجبه وهواه المردي عن حقيقة الفهم قد حرمه، ولأن قسوة قلبه عن الفهم صرفه وكذبه في حاله عن البيان وأخرسه، فإذا كان هو المتيقظ المقبل فهو التائب الصادق سمع فصل الخطاب ونظر إلى الداعي وله استجاب، وقد اشترط الله ﷿ للإنابة التبصرة وحضور القلب للتذكرة فقال ﷿: (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنيبٍ) ق: ٨ وقال وما يذكر إلا من ينيب وقال ﷿: (إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ) الزمر: ٩ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، فالاستقامة على التوبة من الوفاء بالعهد وتعدّي الحدود من نقض الميثاق وقلة الصدق والإنابة هي التوبة والإقبال على الله ﷿، والألباب هي العقول الزاكية والقلوب الطاهرة وينبغي للتالي الخائف الناصح لنفسه وللخلق السليم القلب إذا تلا آي الوعد والمدح ومحاسن الوصف ومقامات المقربين أن لا يشهد نفسه هناك ولا يراها مكانًا لذلك بل يشهد للمؤمنين فيها وينظر إلى الصديقين منها سلامةً ونصحًا، فإذا تلا الآي الممقوت أهلها المتهدّد عليها
المذموم وصفها من مقامات الغافلين وأحوال الخاطئين شهد نفسه هناك وأنه هو المخاطب المقصود بذلك خوفًا منه وشفقًا، فبهذه المشاهدة يرجو للخلق ويخاف على نفسه ومن هذه الملاحظة يسلم قلبه للعباد ويمقت نفسه. موم وصفها من مقامات الغافلين وأحوال الخاطئين شهد نفسه هناك وأنه هو المخاطب المقصود بذلك خوفًا منه وشفقًا، فبهذه المشاهدة يرجو للخلق ويخاف على نفسه ومن هذه الملاحظة يسلم قلبه للعباد ويمقت نفسه.
وروينا عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه كان يقول اللهم إني أستغفرك لظلمي وكفري قال: فقلت يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما بال الكفر؟ فتلا قوله: (إنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم: ٣٤ فإن قلب هذان المعنيان على عبد حتى يشهد نفسه في المدح
1 / 91