على أن المسألة لم تتوقف عند حدود تجاهل تلك الآيات الصريحة وعدم الرد على من احتج بها عليهم، ولا عند حدود تأويل قوله تعالى ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث.. ) على ذلك النحو أوغيره ، بل إن منهم من لم يتردد في تجاوز هذا وذاك الى الإنكار اللفظي الصريح وتكفير من قال أن القرآن محدث ، فهذا صاحب كتاب معارج القبول ينقل لنا - في سياق احتجاجه بأقوال (السلف) أيضا - أن وكيعا : ( قال من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه محدث ، ومن زعم أنه محدث فقد كفر) ! ، وفي هذا دليل على أنهم يدركون جيدا ويقرون بأن محدث بمعنى مخلوق ، ومع ذلك ...!، ثم يقول : ( وقيل له إن فلانا يقول إن القرآن محدث ) ، وهو ما نص علية القرآن صراحة فتأمل جوابه ( فقال : سبحان الله هذا الكفر) !!! ( 5 ) .
ونحن نقول : يا سبحان الله ، أليس هذا - بإجماع الأمة - هو حكم من أنكر صريح القرآن ولم يثبت ما أثبته لفظا ؟! ، ولئن كانوا قد كفروا من يقول بأن القرآن مخلوق فما بالهم يكفرون من يقول بأنه محدث مع أن ذلك إثبات لفظي لازم لكل مسلم لما ورد نصا في كتاب الله في وصف القرآن؟.
* أما بالنسبة لكونه مجعولا فقد استدل القائلون بخلقه بقوله تعالى : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا) أي : خلقناه ، إذ جعله قرآنا عربيا كما جعل الشمس ضياء والقمر نورا بأن خلقهما كذلك ، مستدلين على أن (جعلناه) بمعنى خلقناه ، بقوله تعالى : ( وجعل الظلمات والنور ) ، وغيرها من الآيات .
فجاء رد القائلين بأنه غير مخلوق بإيراد آيات ورد فيها لفظ ( جعل ) دون أن يفيد معنى الخلق كقوله تعالى ( وجعلهم كعصف مأكول ) ، غير أنهم لم يقولوا لنا في هذه الحالة ما الذي تعنيه كلمة جعلناه في قوله ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) ، بحيث يستقيم المعنى لو افترضنا أنها ليست بمعنى (خلقناه) .
2-آيات وصف فيها القرآن بأوصاف يلزم منها حدوثه وخلقه وامتناع قدمه:
صفحه ۶۴