ومن هنا جاء استدلالهم بما مفاده : أن كلام الله لو كان حادثا - أي كما يقول خصومهم - لكان إما أن يقوم بذاته تعالى ( وعلى حد تعبير صاحب كتاب معارج القبول : خلقه في ذاته ) وهذا محال لاستحالة أن تكون ذاته محلا للحوادث - وهو ما أكده القائلون بخلق القرآن والأشاعرة أيضا - باعتبار ان حدوث الكلام الذي هو عبارة عن حروف وأصوات من المعلومات الضرورية ، وإما أن يقوم بغيره ( أي خلقه في غيره ) وهذا محال أيضا ، حسب ما ذهبوا إليه بدعوى أن الكلام في هذه الحالة هو كلام ذلك الغير ، واختصاصه به أحق وأولى ، ( وهذا هو محور استدلالهم ) وبهذا - وهو ما أرادوا إلزام خصومهم به - يبطل أن يكون الله متكلما بكلام محدث ، ويثبت كونه متكلما بكلام قديم قائم بذاته ..
وردا على ذلك قال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام : ( والجواب أما أولا: فالمتكلم عندنا هو فاعل الكلام فإذا كان القديم تعالى فاعلا للكلام وجب أن يكون متكلما ، فأما حلول الكلام وعدمه فهو نظر خارج عما ذكرنا ) (1) .
ثم يقول : وأما ثانيا ، فلأنه تعالى إذا جاز أن يكون منعما بنعمة موجودة في غيره ومحسنا بإحسان موجود في غيره جاز أن يكون متكلما بكلام موجود في غيره ، والجامع بينهما هو أنها كلها أسماء اشتقاقية ، الأصل فيها كلها وفي صحة إطلاقها على فاعلها وجريها على فاعلها وجود الفعل لا غير (2) .
صفحه ۴۹