ومثال ذلك أن الإنسان مخلوق لله تعالى ، وهناك فرق بالطبع بينه وبين صفة الخلق لأنه أثرها وليس هو نفسه صفة الله ، لذا فإننا نحكم عليه بأنه حادث أي كان بعد أن لم يكن ، أما صفة الخلق فهي وان كانت من الصفات التي لا يوصف الله بها في الأزل ولا تجري عليه باعتبار الذات ، وإنما باعتبار أمر زائد على الذات وهو الفعل ، والجميع متفقون على أنها من صفات الفعل لا الذات ، إلا أنه يصح أن نقول - مجازا - بأنها قديمة ، إذا كان بمعنى أنه سبحانه كان قادرا على الخلق في الأزل بحكم قدرته المطلقة الثابتة له في الأزل لذاته ، وبحكم كونه فعالا لما يريد ، لذا فإننا لا نقول بأن هذه الصفة أو تلك من صفات الفعل مخلوقة وحادثة فليس ذلك مما يقال فيه حق صفات الله لأن آثار تلك الصفات - الراجعة أساسا إلى قدرته المطلقة وعلمه - هي المخلوقة والحادثة ، فإن فهم ذلك صح أن نحكم على الكلام بأنه حادث وعلى التكلم - الذي هو صفة الله - بأنه أزلي ، لذا فإن القائلين بخلق القرآن وحدوث كلام الله بوجه عام ، قالوا بأنهم إن أرادوا بقولهم أن الكلام من صفات الكمال وانه من لوازم ذاته أو كما قال بعضهم متكلم لذاته ، أن التكلم أزلي بمعنى : ( أنه تعالى كان قادر على الكلام في الأزل وقادريته لذاته فهذا لا ننكره ) (9) غير أن ما أرادوه بذلك هو ما أبطله العدليه واثبتوا استحالته كما رأينا سابقا ، وما أرادوه هو إثبات حالة المتكلمية لذاته تعالى في الأزل ، وأنه لم يزل متكلما بكلام قديم قائم بذاته ( وهو الكلام اللفظي عند الحنابلة والنفسي عند الأشاعرة ) الذي هو صفته الثابتة له في الأزل مثل العالمية والقادرية وسائر صفات الذات القديمة الأزلية ، فكما لا يجوز أن يكون علمه مخلوقا محدثا لا يجوز أن يكون كلامه محدثا مخلوقا ، وعليه - وهو ما أرادوا إلزام خصومهم به - لابد أن يكون الله متكلما بكلام قديم قائم بذاته وإلا لحصل النقص في حقه تعالى وكانت ذاته خاليه من صفات الكمال قبل حدوثه ( أي الكلام ) !!
لكنهم في الحقيقة لم يثبتوا المقدمات نفسها ولم يقيموا عليها الحجج والبراهين ، بل إنهم لم يبينوا - على الأقل - وجه النقص الحاصل في حقه تعالى لو لم يكون متكلما بكلام قديم ، ويقدموا الدليل على كونه نقصا يتعارض مع اتصاف ذاته بالكمال المطلق ، ويوجب بالتالي أن يكون الكلام من لوازم ذاته كما قرروه بلا دليل أو برهان .
ومن الواضح أنهم أدركوا أنه ليس أقل من أن يبينوا صفة النقص اللازمة في هذه الحالة ، كما هو بالنسبة للعلم الذي يقابله الجهل ، والقدرة في مقابل العجز ...، فكان أن قالوا بالتالي من باب إلزام خصومهم واعتباره حجة عليهم .
2- قال الأشاعرة بأن القديم تعالى لو لم يكن متكلما أزليا لوجب أن يكون أخرس أو ساكتا وهذا محال في حقه تعالى !!، مع ملاحظة أن كلامه الأزلي عندهم ليس هو هذه الحروف والأصوات وإنما ما عبروا عنه ب ) الكلام النفسي ( .
صفحه ۴۵