فقال العباس: وما حملك على هذا الأمر حتى تعرض إلى المهالك؟
فقال لهم المقداد: يا سادات العرب، اعلموا أني خرجت في طلب مهر بنت عمي المياسة بنت جابر الضحاك الكندي. فقالوا: اوصف لنا المهر. فوصفه لهم من أوله إلى آخره، فتعجبوا من ذلك وقالوا: لقد ظلمك عمك وبغى عليك، وما قال ذلك إلا لهلاكك، فعند ذلك قال العباس للعبد: اعزل إبلي عن إبل إخوتي، فأفردها العبد وكانت مائة ناقة حمر الوبر سود الحدق محملة من صنايع مصر وعمل الشام، وقال: يا مقداد خذ هذه النوق هبة مني إليك، فوالله ما أملك في هذا الوقت غيرها. فقال شيبة: وأنا مثل أخي العباس. فقال الحمزة: كأنكما أكرم مني، يا مقداد خذ مني مثل ما أخذت من إخوتي. فقال المقداد: أيها السادات الكرام قد قبلت أنعامكم وهي عندكم بحسب الوديعة. فقالوا: ما ينبغي أن يكون لك عندنا وديعة. فقال المقداد: أنا لا بد لي من المسير إلى أرض العراق وإلى أرض كسرى، ولا بأس أن يكون لي عندكم وديعة، ثم إن المقداد انصرف عنهم وأنشأ يقول:
يا للرجال، لقد علاني فضلكم
أولاد هاشم من خيار الناس
أولادها ... ما فضلهم من لهم
وفخارهم كفؤ على الأجناس
الباذلين المال قبل سؤالهم
المطعمين الزاد غير خساس
إني رأيت الشهم أكرم به
هو سيد؛ أعني به العباس
صفحه نامشخص