بأبيض ماضي الشفرتين قضيب
ألم تعلمي أني همام مجرب بها
شجاعا لأرواح العداة صلوب
عليك سلام من محب متيم
كئيب الحشا مضني الفؤاد عريب
فلما سمعت المياسة شعر المقداد كشفت عن وجهها والتفتت إليه وجعلت تنشد وتقول:
عليك سلام الله ما ذر شارق
وما قسمت من شملة وجنوب
فعد مسرعا تفديك روحي فإنني
وبعد عن عيني العذاب وجيب (قال صاحب الحديث) ثم إن المياسة قالت: يا مقداد طب نفسا وقر عينا، فإني على العهد الذي بيني وبينك لا أحول ولا أخون ولا أزول، فعند ذلك ودعته وودعها وبكى وبكيت. وصار المقداد يطلب البراري والقفار ليلا ونهارا وعشيا وأبكارا مدة عشرة أيام بلياليها ولا يصادف أحدا من الناس، فلما كان اليوم الحادي عشر وإذا بغبرة ثائرة وعجاج متصاعد، فغمز المقداد جواده نحو تلك الغبرة فوجد ثلثمائة ناقة حمر الوبر أسود الحدق محملة من صنايع مصر وتحف الشام يقدمها ثلاثة فرسان، كأنهم العقبان ليوث عوابس وفرسان ضوارس، ومعهم العبيد والغلمان يسوقون الجمال، فلما نظر المقداد إلى قلتهم وكثرة متاعهم قال في نفسه: هؤلاء الفرسان أقتلهم وآخذ ما لهم، فطمع فيهم وصاح عليهم وقال: أيها العصبة القليلة والشرذمة الحقيرة، خلوا ما معكم وانجوا بأنفسكم سالمين قبل أن تحل بكم المنية وأطرحكم في هذه البرية. قال: فصاح عليه واحد منهم صيحة عظيمة، تزلزلت منها الأرض والجبال، قال له: ويلك ارجع عن سادات الحرم وسكان مكة وزمزم. فلما سمع المقداد كلام الفارس: قال أهلا ومرحبا، فمن أي قبيلة أنتم؟ قال: نحن بنو هاشم. فقال أحدهم: أنا أبو العباس بن عبد المطلب، وهؤلاء إخوتي الحمزة وشيبة أولاد عبد المطلب، ومن تكون أنت من العرب؟ فقال: أنا المقداد بن الأسود الكندي، فامضوا بالسلام.
صفحه نامشخص