ولهذا اضطرب العلماء في التقعيد أو التنظير الشرعي للنظام السياسي في الإسلام، وقد حاول عمر بن الخطاب أن يزيل هذا الاضطراب (الفقهي/ السياسي) عندما أخبر أن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها وحذرهم من العودة لمثلها، لكن إخبار عمر وتحذيره ودلالة هذا كله دفنته الخصومات السياسية إذ خشي بعض العلماء أن يكون في هذا طعن في بيعة أبي بكر فآثروا تبرير الفلتة يوم السقيفة حتى وإن نقدها عمر وحذر من مثلها مع أنه من أصحابها فليسوا أحرص منه على تصحيح بيعة أبي بكر رضي الله عنه، وذهبوا يتأولون كلمة عمر تأويلات بعيدة بأنه يقصد (العجلة)، بينما ظاهر كلام عمر النهي عن مثلها (فمن عاد فاقتلوه) وقد كان هدف عمر أسمى من أن تبرر كلمته كان هدفه ألا يقيس المسلمون على أمور كانت وسائلها خاطئة أو ملتبسة حتى وإن كانت خاتمتها ونتائجها حسنة. مع أن ظروفها لم تكن توحي بهذا النجاح الذي حصل فيما بعد بتوفيق الله أولا ثم بفضل أبي بكر وتعقل المعارضة وتفضيلها السلم ووحدة الأمة لكن من يضمن لنا لو حدثت ظروف مماثلة أن النتيجة ستكون النتيجة، إذن يجب تحييد (نموذج السقيفة) عند التنظير للبيعة في الإسلام وعدم إتخاذه نموذجا للبيعة لأنه -كما قال عمر- (كان فلتة وقى الله شرها) فلا تعودوا لمثلها لا تنظيرا ولا تطبيقا.
صفحه ۵۷