ومن ذهب إلى نجاسته راعى أن الأصل فيه سبع؛ والفأر كذلك، فلعمري إنهما لكما زعم، لكن الرخصة وردت في الهر للحاجة إليه ولتعذر الاحتراز منه في البيوت، وتلحق به الفأرة في تعذر الاحتراز منها.
وأما الكلب المعلم: ففيه اختلاف بين أصحابنا، قال بعضهم بطهارته لعلة صيانته عن أكل الخبائث؛ وقال آخرون: بل هو لاحق بالحكم الأصلي في الكلاب من النجاسة؛ ولم تتفق الأمة على نجاسة الكلاب أيضا، فمن ذهب إلى نجاستها احتج بأمر النبيء - عليه السلام - بغسل الإناء من ولوغها فيه سبعا، أولاهن وأخراهن بالتراب (1)؛ ومن ذهب إلى طهارتها احتج بقول الله سبحانه: {فكلوا ممآ أمسكن عليكم} [المائدة: 04]، ولم يأمر بغسل الموضع الذى أمسك منه الكلب، ولأنه من الطوافين والطوافات قياسا على الهر، ...
--------------------
قوله والفأر كذلك ... الخ: الظاهر أن الفأر ليس بسبع، وإنما هو ملحق به لمشابهته إياه في أكل اللحم.
قوله فمن ذهب إلى نجاستها إلى قوله ومن ذهب إلى طهارتها: الظاهر أن الضمير فيهما راجع إلى الكلاب مطلقا، وفي استدلال من استدل على طهارتها بالآية نظر، لأن الدليل أخص من المدعى لأن الآية إنما وردت في الكلب المكلب (2)، ولايلزم من طهارته طهارة باقي الكلاب، والله أعلم.
__________
(1) - أخرجه الربيع بن حبيب: باب جامع النجاسات، رقم: 153 (1/ 42)؛ والترمذي: كتاب الطهارة، رقم: 84؛ والبيهقي في الكبرى، رقم: 1105 (1/ 248)؛ والشافعي في مسنده، رقم: 07؛ بلفظ:» أولاهن وأخراهن بالتراب «، وقد جاء بألفاظ عديدة أخرى. قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث صحيح.
(2) - في ه: المعلم. وهو بمعنى، أي: المؤدب المتخذ للصيد والمدرب عليه.
صفحه ۴۸