لم يكد الناس في بغداد يفرغون مما كانوا فيه من لهو ولعب في يوم الفطر، ليستأنفوا حياتهم على ما تعودوا من الجد والنصب، حتى شغلهم هذا الأمر الجديد، فردهم إلى معنى من معاني العيد، وخلى بينهم وبين ما كانوا يضطربون فيه من أسباب العيش، فليس في بغداد كلها شاب ولا شيخ إلا خرج ليجتلي هذا الموكب المصري العجيب في حاضرة الخلافة ويستطلع طلعه،
1
وكان موكبا لم تشهد بغداد مثله منذ كانت، يتقدمه فارس على سرج قد مال به، فيكاد يسقط من جانبيه، كأن لم يركب قبل اليوم فرسا ولم يشد له ركاب، ذلك رجل يعرفه أهل بغداد ويعرفون أهله، إنه الحسين بن الجصاص الجوهري.
وسخروا منه حين رأوه على رأس الموكب، ثم أمسكوا وأقبلوا ينظرون زرافة قد أقبلت تتهادى من ورائه مستعلية برأسها في زهو وخيلاء ...
ووراءها بغل أشهب قد شد إلى ظهره صندوقان قد غلفا برقائق الذهب، وأغلقا على ما فيهما من غيب لا يدرك سره ...
يتبعه عشرون نجيبا،
2
عليها سروج محلاة بالذهب والجوهر، وفوقها رجال قد لبسوا الديباج وانتطقوا مناطق محلاة، لو سيمت منطقة منها
3
في سوق الجوهر لكانت غنى من فقر، أو فقرا من غنى، وبأيدي هؤلاء الركب حراب من فضة قد سال عليها شعاع أصفر، كأنما خرجوا بها من معركة الشمس ...
صفحه نامشخص