ووافى بغداد، وقد وصل موكب خزرج بن أحمد بن طولون في رمضان سنة 281.
ومثل الركب بين يدي الخليفة، واتخذوا مجلسهم على بساطه، والتأم المجلس بمن حضر من أمراء الدولة وقادة الجند وأهل الرياسة وخاصة أمير المؤمنين، وجلس إلى يمين الخليفة قاضي بغداد أبو محمد البصري يوسف بن يعقوب، وزوج خزرج بن طولون أمير المؤمنين المعتضد بنت أخيه قطر الندى، وأشهد من حضر وراح شعراء الحضرة ينشدون التهاني.
وقفل خزرج بأصحابه راجعا إلى مصر يحمل إلى أخيه وإلى ابنه ما يحمل من البشريات ومن هدايا أمير المؤمنين. •••
وكانت مصر يومئذ في مهرجان، قد ازينت كل دار منها كأن بها عروسا تزف إلى أمير المؤمنين، وعلى كل لسان في الوادي غنوة واحدة يتردد صداها على شطآن النيل من شماله إلى الجنوب:
قطر الندى ...
قطر الندى
22 ...
وقطر الندى في شرفتها من قصر الأمير تشهد ما تشهد من حركة المدينة وتسمع ما تسمع، وقد تسرحت بها الأحلام على أجنحة الصدى من واد إلى واد، فهي حينا على ضفاف النيل حائمة، وهي حينا على ضفاف دجلة.
ودخلت إليها حاضنتها «أم آسية» فاتخذت مجلسها إلى جانبها وقالت، وفي صوتها نبرة حنان وفي عينيها نظرة حب: «لمثل هذا اليوم يا مولاتي كنت أسأل الله أن يبقيني، حتى أنعم برؤيتك عروسا قد اكتمل لها بعروسها الكريم حظ الدين والدنيا، أتذكرين يا مولاتي ما حدثتك عن الرؤيا التي أريتها منذ سنين ... وأنا أمشي في طريق قد فرش حصرا من ذهب، ونثرت عليه حبات الجوهر، ومضت بي الوصائف إلى حيث كنت جالسة في جلوة العرس على سرير في غرفة شارعة تطل من اليمين على نهر مثل النيل، ومن الشمال على نهر كأنه دجلة؟
23 ... فهذا تعبير رؤياي.»
صفحه نامشخص