يخطر هذا السؤال على الذهن كلما نظر إلى المستقبل ليستطلع خباياه، ويعود الذهن بعد الجهد الجهيد بجوابين مختلفين كلاهما يحتاج إلى دليل.
نعم، للتاريخ معنى يدل على خطة مطردة بين ماضيه وحاضرة ومستقبله.
كلا، ليس للتاريخ معنى، ولكنه مصادفات تتكرر أو تتناقض على غير وتيرة معروفة.
والذين يقولون بهذا الرأي يحسبون أنهم خلصوا من السؤال والمناقشة، وأنهم غير مطالبين بالدليل؛ لأنهم ينكرون ولا يدعون.
لكنهم في الواقع مطالبون بأدلتهم كما يطالب بها القائلون بالخطة والتدبير، فإن الإثبات والنفي يتساويان في طلب الحقيقة، وأن اختلفا في ساحة القضاء، وليس المدعي وحده هو الذي يبحث عن الحقيقة ويسأل عنها.
إن الكواكب والسيارات تجري في أفلاكها وتطلع في بروجها ومنازلها، ونعلم من حركاتها الماضية كيف تكون حركاتها التالية، ومتى يعرض لها الكسوف والخسوف، وأين تشرق وأين تغيب.
فلم تجر حركات التاريخ الإنساني على غير هذا النسق؟ وكيف ينتظم مدار الفلك، ولا ينتظم مدار الحياة الإنسانية؟
من قال: إن النظام هنا موجود كالنظام في حركات الأفلاك، ولكنني أجهله ولا أعرف من ماضيه وحاضره ما يدل على مصيره فهو - بحق - صاحب القول الذي يعفي قائله من الدليل.
أما الذي يقرر الاختلاف جزما وتوكيدا بين حركات الأفلاك وحركات الأمم ، ولا يرى في ذلك غرابة، ولا يسأل له عن سبب فهو الذي يقرر حكما متعسفا بغير دليل، ولا بد له من دليل.
لم يختلف نظام الكواكب ونظام الأمم؟ ولم يعتبر هذا الاختلاف أمرا طبيعيا يدعيه من شاء، ولا يلزمه البرهان على ما يقول؟
صفحه نامشخص