انگلستان و کانال سوئز
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
ژانرها
وبدأ أعضاء المؤتمر أعمالهم بإعلان سخطهم واستيائهم من تطور الأمور في مصر وأخذ الثورة ومن أيقظها بالشدة، وانتقلوا بعد ذلك إلى إعلان أنه لا يجوز لأية دولة اشتركت في المؤتمر أن تستأثر لنفسها بحقوق في وادي النيل لا تكون للدول الأخرى، وسجل أعضاء المؤتمر في نفس الوقت أن مسألة مصر مسألة دولية عالمية، وأنه غير خليق بأية دولة واحدة أن تنفرد بتقرير مصير هذه البلاد دون سواها من الدول الكبرى.
اشتركت إنجلترا في ذلك المؤتمر، كما اشتركت فيه فرنسا وألمانيا وروسيا والنمسا والمجر وإيطاليا، وكانت الدولتان اللتان تهتمان حقيقة بالمسألة المصرية هما إنجلترا وفرنسا، وأما مندوبو الدول الأخرى فلم يكونوا على علم بتطور الحوادث في مصر، على أن إنجلترا كانت الدولة الوحيدة التي قررت ألا تتقيد بمناقشات المؤتمر، أو بما يسفر عنه جدله النظري، أو تفكيره السطحي، أو بما ينفض عنه من قرارات قد تختلف مع المصالح الإنجليزية، وأن تعمل بنشاط وهدوء على تنفيذ خطتها ورعاية مصالحها في الوقت المناسب إذا ما واتت الفرصة.
كان على رأس الحكومة الإنجليزية - وهي حكومة الأحرار - جلادستون الذي سبق أن أعلن نفسه عدو الإمبريالزم والاستعمار ومن دعاة إنجلترا الصغيرة، ونصير الشعوب المغلوبة على أمرها، أعلن جلادستون هذه الآراء وهو خارج الحكم، ولكنه لما تولى الحكم آمن بما يدعيه رجال الإمبراطورية، بمهمة إنجلترا الحضارية ورسالتها الثقافية، آمن جلادستون بكل ما يؤمن به رجال الاستعمار، ونفذ السياسة الخارجية الإنجليزية بحذافيرها.
ولذا فبالرغم من انتقاده لسياسة ديزريلي التوسعية الإمبراطورية، فوزارته كانت جادة في استعدادتها الحربية، سائرة في تقوية أسطولها في البحر الأبيض المتوسط، هذا في الوقت الذي انهمك فيه أعضاء المؤتمر في مناقشاتهم النظرية واجتماعاتهم الشكلية واستفساراتهم العقيمة، فضلا عما كان المؤتمر يعانيه من عثرات في طريقه بعد أن رفضت الدولة صاحبة السيادة على مصر الاشتراك فيه.
كانت إنجلترا تراقب تطور الأمور في مصر بكل عناية واهتمام، وأرسلت إلى قائدها البحري الذي كان يرابط بقطع من الأسطول في مياه الإسكندرية، وهو بوشومب سيمور، بألا يدع فرصة تفلت من يديه، وأن يراقب ما تقوم به السلطات الحربية المصرية في هذه المدينة، فإذا لاحظ أن هناك تحصينات تقام أو محاولات تبذل لسد مدخل الميناء أو حركات عسكرية خطيرة ، فعليه أن ينذر هذه السلطات ويطلب منها تسليم قلاع المدينة في مدى أربعة وعشرين ساعة، بعد إنقضائها لا يتردد في ضرب الإسكندرية وهدم حصونها وإسكات دفاعها واحتلالها.
اعتبرت إنجلترا عمل المصريين لتحصين بلادهم عملا عدائيا موجها ضدها! ولم تكن الحكومة الإنجليزية لتتخذ هذه الخطة في الخفاء، بل صارحت بها الدول، وأرسلت بما قررته إلى مندوبي الدول المجتمعين في الأستانة.
لقد كانت الحكومة البريطانية ترى ضرورة القضاء على ما اعتبرته سيطرة الجيش في مصر قبل شهر أغسطس سنة 1882 ونفذت خطتها بالفعل، وضربت مدينة الإسكندرية واحتلتها بعد أن دافع أهلها دفاعا مشهودا، واضطر العرابيون إلى اتخاذ قاعدة جديدة في كفر الدوار والدفاع عن البلاد إلى النهاية.
على أن احتلال الإنجليز لمدينة الإسكندرية لم يكن معناه احتلال مصر جميعها أو حل المسألة المصرية بأكملها، وإن كان سفير إنجلترا في رومه قد أعلن، حين وجد شيئا من الضيق والقلق يسود إيطاليا بأنه يجب على دول أوروبا أن تشكر هذه الظروف، وأن تحمد الحكومة الإنجليزية على اتخاذ خطوات من شأنها رفعة مركز أوروبا في الشرق الأدنى!
وجدت إنجلترا أن حل مسألة مصر هو في قناة السويس، فهي النقطة الضعيفة التي تستطيع أن تنفذ منها إلى مصر مباشرة، حقيقة لقد عارضت إنجلترا - كما رأينا - في حفر هذه القناة، وعرقلت محاولة تنفيذ مشروعها، ولكنها أصبحت أكثر الدول استفادة من فتحها، لتجارتها ولمرور أساطيلها الحربية، وأصبحت القناة مصلحة حيوية مهمة من مصالح إنجلترا، ولذا شغلت مسألة حماية القناة أذهان الساسة الإنجليز بعد ضرب الإسكندرية، فبعثت حكومة لندن إلى الدول الكبرى تبدي قلقها على مصير القناة.
ومنذ الوقت الذي استفحلت فيه الحركة العرابية، تساءلت إدارة شركة قناة السويس في شيء من الخوف عن الموقف الذي ستتخذه إنجلترا إزاء القناة، وهل تنوي احتلالها؟ ولقد بين مدير الشركة أنه لا يمكن لأية دولة احتلال القناة أو جزء من القناة، أو إنزال جنود على سواحلها.
صفحه نامشخص