انگلستان و کانال سوئز
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
ژانرها
ولم تكن سياسة لورد سولبري الذي خلف داربي في وزارة الخارجية البريطانية، حين زاد تعقد المسألة الشرقية، التمسك بأهداب السياسة البريطانية القديمة، وهي تأييد الدولة العثمانية والمحافظة عليها، وإنما كما يقول: «إن سياستنا الخارجية تنقصها الخطة الموضوعة.» ولذا فالسياسة العملية في نظره هي الإشراف الفعلي على طرق المواصلات المائية إلى الهند، باحتلال مصر وقناة السويس وكريت، والعمل على القضاء على الدولة العثمانية.
ولذا في خلال هذه السنة 1877 نشطت في إنجلترا الفكرة التي تقول بضرورة احتلال إنجلترا لمصر والقناة، ففي 11 يوليو من هذه السنة تكتب إحدى بنات ملكة إنجلترا لأمها بأن كل من يحب إنجلترا يتوق إلى هذه الفرصة التي تسمح بوضع الإنجليز لأقدامهم في مصر. وفي نفس الوقت يكتب رئيس الحكومة ديزريلي إلى الملكة فكتوريا يقول بأن الباب العالي ميال لبيع سيادته على مصر، ولكن ديزريلي ظل متمسكا بفكرته القديمة بأنه يفضل الاستيلاء على آسيا الصغرى لا مصر.
على أن ذلك لم يمنع ديزريلي من الاعتقاد بأنه سيأتي اليوم الذي تحتل فيه إنجلترا مصر وقناة السويس، وأن ذلك حتم مقضي على إنجلترا.
فكان إذن الاتجاه في إنجلترا بعد مجيء سولسبري إلى وزارة الخارجية يسير في الطريق التي رسمها بسمرك، ولقد وجد بسمرك من رجال الساسة الإنجليز من يؤيد وجهة نظره، مثل السفير الإنجليزي في برلين لورد أودورسل، ولكن أعضاء الوزارة الإنجليزية جميعهم لم يكونوا يرون أن الوقت مناسب لذلك، وذلك خشية عداوة فرنسا، فلقد كان الركن الأول في سياسة فرنسا الخارجية في سنة 1878 هو منع إنجلترا من الاستئثار بنفوذ متفوق في وادي النيل أو القناة.
ولقد وافقت إنجلترا على اقتراح فرنسا بألا تدخل مسألة مصر في مناقشات مؤتمر برلين 1878، ورأت استبقاء لصداقة فرنسا عدم احتلال مصر، واستعاض سولسبري عن ذلك - أي: عن احتلال مصر وقناة السويس - باحتلال جزيرة قبرص التي تشرف على آسيا الصغرى ومدخل القناة معا.
ثم ازداد تعقد المسألة المصرية في أواخر عهد الخديو إسماعيل لتحرج المسألة المالية من ناحية، ومحاولة الدول الأوربية الكبرى من ناحية أخرى، ثم لنمو الشعور القومي المصري إلى حد أثار مخاوف إنجلترا وفرنسا، فطلبتا من الباب العالي عزل الخديو إسماعيل، وتم لهما ما أرادتا في سنة 1879، وجاء الخديو توفيق إلى ولاية مصر.
ولم تكن مهمة الخديو الجديد بالهينة أمام سيطرة الدولتين الأوربيتين، ولا أمام الرأي العام المصري الذي ساءه تدخل الأجانب في كل مرافق الحياة المصرية، مما هدد مستقبل البلاد ونموها، ثم جاءت الثورة العرابية، فزادت الأمور تعقيدا على تعقيد، وخشيت الدولتان الإنجليزية والفرنسية على مصالحهما في مصر، وأرسلت سفنهما الحربية إلى مياه الإسكندرية واقترحت فرنسا عقد مؤتمر من الدول الكبرى في الأستانة سنة 1882 لإيجاد حل حاسم للمسألة المصرية والقضاء على الثورة العرابية.
الفصل الرابع
احتلال الإنجليز لقناة السويس في سنة 1882
في أول الأسبوع الأخير من شهر يونيو سنة 1882 اجتمع مؤتمر الدول الكبرى في مدينة الأستانة للنظر في المسألة المصرية التي تفاقمت في نظرهم بسيطرة عرابي باشا التامة على الجيش وعلى الحكومة المصرية.
صفحه نامشخص