ادیپوس و تسئوس: از قهرمانان اساطیر یونانی
أوديب وثيسيوس: من أبطال الأساطير اليونانية
ژانرها
ولم يكن هذا الخيط متخذا من الكتان ولا من الصوف، وإنما اتخذه ديدال من مادة صلبة لم يستطع سيفي حين جربته أن يصنع فيها شيئا. وقد تركت سيفي عند أريان مصمما - رغم ما بينه لي دايدال من أن الأداة تمنح الإنسان قوة إلى قوة - على أن أصرع المينوتور بقوة ذراعي وحدها.
فلما بلغت مدخل اللابيرانت - وهو رواق تزينه الفأس المثناة؛ وهي علامة شائعة في الجزيرة - ألححت على أريان في أن تلزمه ولا تفارقه، وقد حرصت على أن تدير الخيط حول معصمي بعقدة زعمت أنها عقدة الزواج، ثم ألصقت شفتيها بشفتي وقتا حسبته لن ينقضي؛ فقد كنت حريصا على أن أتقدم.
وكان رفاقي الثلاثة عشر من الفتيات والفتيان وفيهم بيريتوس قد سبقوني. وقد وجدتهم في الحجرة الأولى وقد أذهلهم الأرج، وقد أنسيت أن أقول إن ديدال قد أعطاني مع الخيط قطعة من النسيح قد غمسها في مادة مضادة لهذا الطيب، وألح علي في أن أكمم بها فمي دائما؛ وأن أريان كانت قد استأثرت بهذه القطعة أيضا عند الرواق. وبفضل هذه الكمامة استطعت أن أحتفظ بصوابي وإرادتي، ولكني كنت أختنق شيئا، فقد تعودت - كما قلت - ألا أجد الحياة الكاملة إلا في الهواء الطلق، فكان هذا الهواء المغلق يضايقني بعض الشيء.
وتقدمت مرسلا الخيط حتى بلغت الحجرة الثانية، فإذا هي أشد إظلاما، ثم بلغت أخرى أشد إظلاما، ثم انتهيت إلى أخرى لم أكن أتقدم فيها إلا متحسسا. ولكن يدي وهي تتبع الحائط لقيت مفتاح باب أدرته فانفتح لي على ضوء ساطع، وإذا أنا أبلغ حديقة، وأرى أمامي - على أرض مبسوطة قد نسقت فيها شقائق النعمان والخزامى والنسرين والقرنفل - المينوتور مستلقيا مسترخيا. وكان نائما من حسن حظي؛ وكنت خليقا أن أتعجل، وأن أستفيد من نومه، ولكن هذا النوم نفسه كان يقفني، وكان الوحش جميلا، وكان أمره كأمر السنتور
1
قد اجتمعت له والتأمت فيه ملامح من الإنسان والحيوان، وكان شابا، وكان شبابه يضيف إلى جماله ظرفا لم أكن أحققه، وكان هذا كله سلاحا أقوى بالقياس إلي من القوة، فلم يكن لي بد من أن أستحضر شجاعتي كلها؛ فلا سبيل إلى الجهاد المنتج إلا مع شيء من البغض. ولم أكن أستطيع أن أبغضه، بل لبثت وقتا أمعن النظر إليه، ولكنه فتح إحدى عينيه فتبينت أنه أبله، ورأيت أن قد آن الوقت للإقدام.
ولست أستطيع أن أذكر ما صنعت، ولا ما كان على وجه التحقيق؛ فقد كانت الكمامة تأخذ علي التنفس، ولكني مع ذلك لم أفلت من تأثير الأرج حتى أصابني من ذلك ضعف في الذاكرة؛ فإذا كنت قد انتصرت على المينوتور فإني لم أحتفظ من ذلك إلا بأثر مختلط لا يخلو من لذة.
ولست أبيح لنفسي أن أخترع ولا أن أتكثر، ولكني أذكر كذلك أن جمال الحديقة كاد يلهيني عن نفسي، ولم آخذ في إدارة الخيط بعد أن انتصرت على المينوتور لأجد أصحابي في الحجرة الأولى إلا أسفا. وقد رأيتهم حول مائدة قد جمعت عليها ألوان من الطعام لا أدري كيف جاءت، ولا من جاء بها، وهم يزدردون ويعبون ويعبث بعضهم بأجسام بعض، ويضحكون كأنهم المجانين أو البله.
فلما هممت أن أخرجهم أبوا علي وأعلنوا إلي أنهم راضون حيث هم، وأنهم لا يريدون خروجا. وقد ألححت عليهم وأنبأتهم أني أحمل إليهم الخلاص وإذا هم يتصايحون: الخلاص من ماذا؟! ثم أخذوا يسبونني، وقد أحزنني هذا كثيرا لمكان بيريتوس، فقد كان يتميزني في مشقة، ويعيب الشجاعة، ويسخر من شجاعته هو، ويعلن في غير تحفظ أنه لن يفارق لذته الحاضرة في سبيل المجد مهما يكن.
ولم أكن أستطيع أن ألومه؛ فقد كنت أعلم أني لولا احتياط ديدال لتورطت في مثل ما تورطوا فيه. ولم أستطع أن أخرجهم إلا حين اصطنعت معهم العنف، وأعملت فيهم الوكز واللكز. وقد كانوا مثقلين بكثرة ما أكلوا وشربوا وسكروا، فلم يستطيعوا أن يقاوموا.
صفحه نامشخص