نور و پروانه
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
ژانرها
فيقول عن قصائد حافظ:
11
لن نقول إلا القليل عن هذه الأشعار؛ إذ لا بد أن يتذوقها القارئ ويتناغم معها. إن الحيوية المتدفقة المعتدلة تنساب منها. كان (حافظ) يعيش قانعا راضيا مبتهج الطبع حكيما، يشارك بنصيبه في خيرات العالم الوفيرة، ويتطلع من بعيد إلى أسرار الألوهية، منصرفا في الوقت نفسه عن أداء الشعائر الدينية وعن لذات الحس. وإذا كان يبدو في الظاهر أن الفن الشعري يعظ ويعلم، إنه يحتفظ بالضرورة بنوع من مرونة التشكك وحريته.
وفي موضع آخر من تعليقاته يقول:
إن الطابع الأسمى للشعر الشرقي هو ما نسميه نحن الألمان بالروح، ذلك المبدأ الذي يوجه الإنسان ويهديه، وتنتمي الروح بوجه خاص للشيخوخة أو لعصر كوني تثقله أعباؤها. وأهم ما تتسم به هو النظرة المحيطة بالكون والدعابة والاستخدام الحر للمواهب، وكلها خصائص مشتركة بين شعراء الشرق.
ولا يصح أن نسيء فهم عبارة ما «نسميه نحن الألمان بالروح»، فالشاعر لا يقصد بها «الروح المطلق» بالمعنى الميتافزيقي الذي أشاعته الفلسفة المثالية الألمانية وبخاصة عند هيجل، وإنما يقصد ما يفهمه هو نفسه من الروح، فهي تعبر عن شخصيته أتم تعبير حتى تدل على الوعي الذي جعله لا يفزع من شيء مخيف، والمرح الذي يحركه للتعبير عن كل شيء في صورة مبهجة. ثم إن الروح تصور مهمة الشاعر في هذه العبارات الكلاسيكية (التي تعبر عن رؤيته الفنية أفضل تعبير): إن تفكير الشاعر يتعلق في الحقيقة بالشكل. أما المادة فيعطيها له العالم فيجزل العطاء، وأما المضمون فيصدر صدورا حرا عن ثروة وجدانه الباطن، ويلتقي الاثنان لقاء غير واع، بحيث لا يدري الإنسان في النهاية لمن يعود الفضل في هذه الثروة. غير أن الشكل، وإن كان يكمن في العبقرية بوجه خاص، يريد أن يعرف ويتأمل، وهنا تظهر الحاجة إلى التدبر والتفكير لكي يتلاءم الشكل والمادة والمضمون، وتتناغم مع بعضها، وتنفذ بعضها في بعض.
لا شك أن خصوبة شعراء الفرس وتنوعهم الذي يتدفق من رحابة العالم الخارجي وثروته التي لا حد لثراء ألوانها هو الذي جذبه إلى قراءتهم والإعجاب بهم. فهو يشيد بعنايتهم بالتفاصيل، ونظرتهم النافذة والمحبة التي تستخلص من كل شيء أهم خصائصه، وتصور الكائنات الطبيعية الساكنة في صور شعرية يمكن أن توضع بجانب الصور واللوحات التي أبدعها الرسامون الهولنديون، بل ربما تفوقت عليها بسموها المعنوي. إنهم لا يسأمون تكرار الموضوعات الأثيرة لديهم، ولا يعمل الواحد منهم تصوير نور المصباح الباهر وضوء الشمعة الساكن، حتى إن الأشياء الطبيعية تصبح عندهم بديلا للأساطير، كما تحتل الوردة والبلبل مكان أبوللو ودافني عند الإغريق. وإذا تذكرنا أنهم لم يعرفوا المسرح ولا فن النحت، فإن موهبتهم الشعرية لم تكن أقل من أية موهبة عرفها التاريخ، وكل من يأنس عالمهم الخاص لا بد أن يزداد إعجابا بهم.
لم يكن غريبا على «هوميروس العصر الحديث» أن تلتقط عينه المبصرة - كعين النسر الإلهي! - هذه السمات المميزة للشعر الشرقي. ولكن يبدو أن «المغناطيس» الحقيقي الذي جذبه إليهم وهو على أعتاب الشيخوخة، هو صوفيتهم التي وصفها بأنها صوفية أرضية أو دنيوية. لقد كانت جديرة بأن تلمس وجدانه، وأن يحس روحها الحادة العميقة، ويشعر بقربها من تفكيره وإنتاجه بعد أن بلغ الخامسة والستين من عمره. ووصفه للأسلوب الذي عبر به هؤلاء الشعراء عن روحهم الصوفية بحيث لا يضير الشاعر منهم أن يحلق بنا إلى السماء ثم يهوي بنا إلى الأرض أو العكس، وقيامه على التوحيد بالله والتسليم بمشيئته. كل هذا كان خليقا أن يحركه إلى كتابة قصائد أخرى تدور في فلكه الروحي، وها هو ذا يحدد في رسالة إلى صديقه تسلتر
12
أوجه التلاقي بينه وبين شعراء الشرق فيقول:
صفحه نامشخص