نور و پروانه
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
ژانرها
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ومن الطبيعي أن ينتهي تأمل جوته للامية وإعجابه بثرائها النادر بالتجارب المتنوعة والصور القوية الحية إلى أن يصف صاحبها بأنه «أغنى الأحياء من الشعراء»، وأن يبلغ به الأمر أن يوحد شخصه به، فيقرن اسمه باسم حاتم الذي اختاره لنفسه، كأنما أراد أن يؤكد بذلك أن الثراء المادي والروحي مع البذل والعطاء بغير حدود قد اجتمعا في هذا الشاعر الذي لا يطمع أن يكون مثله ولا أن يقيس نفسه به، وإنما يكتفي بأن يضعه نصب عينيه دون أن يلومه أحد؛ لأن أخذ هدايا السعادة وإعطاءها - كما يوحي بذلك اسم الحاتمين وغناهما الظاهري والباطني - سيبقى على الدهر متعة عظيمة، كما أن إسعاده لحبيبته، التي نسخت منه قصيدة الطغرائي وأشارت لبعض أبياتها في رسائلها المتأخرة إليه بعد فراقهما بسنوات طويلة،
8
قد جعله يستحق في عينيها وفي عيوننا أن يسمى حاتم، وأن يضاف لهذا الاسم اسم الطغرائي. (2) ألف ليلة وليلة في الديوان
صحب جوته ألف ليلة وليلة وصحبته من صباه الباكر إلى شيخوخته المتأخرة، وأثرت حكاياتها الساحرة تأثيرا واضحا وصريحا على الكثير من أعماله، ومضمرا وغير مباشر على القليل منها. ومع أن هذا المجال ليس هو الموضع المناسب لتتبع ذلك التأثير، فيكفي على الأقل أن نذكر عناوين بعض أعماله التي تجلت فيها صوره المختلفة واتحدت بطبيعته «الشهرزادية» في الشغف بالحكي والقص: نزوة العاشق، أحاديث المهاجرين الألمان، الابنة الطبيعية، الأنساب المختارة وسنوات تجوال فيلهلم ميستر، مشاهد عديدة في القسم الثاني من فاوست والفصل المعروف عن استدعاء هلينا وزواج فاوست، منها الأقصوصة والحكاية وسيرة حياته
9 «شعر وحقيقة»، بالإضافة إلى مذكراته وأحاديثه العديدة التي عبر فيها لمحدثيه - وبالأخص المستشار فون مولر - عن مدى تأثره شكلا ومضمونا وروحا بقص شهرزاد وكنوز حكاياتها البديعة التي وجد فيها «الحق والجمال» والحكمة والمتعة، واعتبرها من أبرز الأعمال التي عززت إيمانه بوحدة الأدب العالمي، وأهم عمل شرقي بهر الغرب منذ أوائل القرن الثامن عشر (منذ ظهور الترجمة الفرنسية الشهيرة لأنطوان جالان بين عامي 1704م و1717م، والترجمات المختلفة اللاحقة لها وزحفها المنتصر
10
على الآداب الأوروبية وعلى أعمال كبار الكتاب والشعراء والمفكرين طوال القرن الثامن عشر حتى العقود الأولى من القرن التاسع عشر، أي طوال عصر جوته نفسه) والآن نسأل السؤال الذي يهمنا في هذا المقام: هل كان لألف ليلة وليلة تأثير على قصائد الديوان الشرقي أو على التعليقات والبحوث التي ألحقها به؟
والسؤال مشروع لأن المعروف أن ترجمة ديوان حافظ الشيرازي إلى الألمانية هي التي كانت - مع تجربة الحب بطبيعة الحال! - المنبع الحقيقي الذي استقى منه إلهامه. فهل كان لكنوز شهرزاد بعض التأثير عليه؟ ترجع آخر مرة استعار فيها جوته ترجمة جالان الفرنسية (طبعة 1747م)
11
صفحه نامشخص