الخامس: معاشرة الناس والسلوك معهم، وذلك أن الطبائع مختلفة والآراء متفرقة، وكل واحد يريد من الانسان الذي يكون على طريقتنا موافقته في الطبيعة، وهذا في غاية الصعوبة، مع أنه يودي إلى المداهنة والتقرير على المنكر، وهما محرمان اجماعا، ومثل هذا ما تيسر لاحد، كما روى أن موسى عليه السلام طلب من الله سبحانه أن يرضى عنه عامة بني إسرائيل حتى لا ينالوا من عرضه ولا يتكلموا في غيبته، فقال سبحانه: يا موسى هذه خصلة لم توجد لي فكيف توجد لك. وهذا الظاهر، فان من تأمل وراجع النظر وتصفح أحوال الناس يرى شكايتهم من الله تعالى أكثر من شكواهم من السلطان الجائر سفاك الدماء، ولا ترى أحدا إلا وهو يتهم الله تعالى في قضائه وقدره، وهذا يكون كثيرا في أحوال الفقر والمرض وزوال النعم وانتقالات الأحوال.
السادس: وهو الداء العضال والذي نغص علينا العيش وكدر الصافي منه مع أنه لا يوجد، وهو أنه ابتلينا بالتوطن في بلاد ليس فيها مجتهد ولا مفت حتى نحيل الناس عليه، وإذا سألوا منا ما يحتاجون إليه في أمور عباداتهم ومعاملاتهم، فربما أشكل الحال واحتاج المقام إلى معاونة الآراء.
وان قلت: ان هذه المسألة لا تخلو من إشكال لا يقبل منك ويقولون كيف يشكل عليك شئ وأنت فلان الذي عندك من الكتب كذا وكذا، وقرأت عند فلان وفلان، وهو المطلع على الاسرار والضمائر، أني أنزوي عن الناس في أكثر الأوقات، وأغلق الباب بيني وبينهم لهذا وأمثاله، والهم الذي ينالنا من هذا أصعب من ما تقدمه من كل الأمور، ونرجو من الله سبحانه العصمة من الخلل والخطأ في القول والعمل.
السابع: عدم الأسباب التي نحتاج إليها في التأليف والتصنيف، والعلم لا ينفعه إلا الكتب، والحمد لله عندنا أكثر الكتب، لكن الذي يقصد التأليف في العلوم الكثيرة يحتاج إلى أسباب كثيرة، ونحن في بلد لا يوجد فيها ما نحتاج إليه، والمأمول من الله تعالى جل شأنه أن يوفقنا لتحصيلها أنه على ما يشاء قدير، وقد وفق الله تعالى في هذه البلاد لتأليف كتاب نوادر الاخبار المشتمل على مجلدين، وتمام شرح تهذيب الحديث المشتمل على ثمان مجلدات، وكتاب الهدية في علم الفقه مجلد واحد، وكشف الاسرار لشرح الاستبصار المشتمل على مجلدين، وهذا الكتاب الذي هو كتاب الأنوار المشتمل على مجلدين، وقد وفق الله سبحانه أيضا لشرح الصحيفة وهو
صفحه ۲۵