كأن بمنكبه إذ جرى ... جناحًا يقلبه في الهوا
وقد استقصى في هذه الأبيات وصف الفرس أتم استقصاء؛ فالسيد: الذئب، ويوصف بالجردة لقلة شعره، والعبل: الممتلئ، والشوى: الأطراف، والكفل: أعلى الوركين، والأيد: القوي، والمشرف: العالي، وأراد بالأعمدة: القوائم - على الاستعارة -، والوجى: وجع في حافر الفرس، إذا رق من المشي حافيًا، والمؤللة: المحددة، والحشرة: اللطيفة الرقيقة، والمحمود في أذن الفرس: أن تكون رقيقة الطرف إلى الطول منتصبة، والشدق: الفم، والرحاب: - كالرحيب - الواسع والهواء والفرجة بين الشيئين وقصره للضرورة، قال أبو داؤد:
أجوف الجوف فهو منه هواه ... مثل ما جاف أبزن النجار
الأبزن: فارسي معرب، وهو شيء مجوف يتخذ من الخشب للماء، واللحيان: عظما اللهزمتين وهما اللتان تحت الأذن إلى طرف الفم، وأراد بالعوج رجليه، وبطوال الخطى سعتها لاستلزامها طول الرجل المستلزم لعلو الفرس. والتسعة الطويلة الممدوحة: هي الذراعان والفخذان والخدان والذيل ووالعرف والعنق. والتسعة القصيرة: هي الأرساغ الأربعة والساقان والظهر والعسيب وشعر البدن. والسبعة العارية من اللحم: القوائم الأربع والخدان وما بينهما. والسبعة المكسوة: الفخذان الوركان والجنبان والصدر. وقوله: (وسبع قربن) أي: وسبعة أعضاء قربن من سبعة: وهي رؤوس الأربعة أوظفة من الحوافر وركبتي الرجلين من الرسغين والحارك من القطاة ويلزمه قصر الظهر. والسبع التي بعدت عن مثلها: هي ركبتا اليدين من رسغيها وركبتا الرجلين من الوركين وما بين الأضلاع وبين الرأس والكتف وهو الحارك وبين الناصية والجحفلة. والسبعة الغلاظ: الركب الأربع والفخذان والعنق. والسبعة الرقاق: الأذنان والجحفلتان والأسنان واللسان والشعر، والصهوة: موضع السرج، والعير: حمار الوحش، أي: وفي ظهره قليل انحطاط. والثمانية المحددة، أي رقيقة الأطراف: وهي العرقوبان والأذنان وأطراف اللحيين وطرف العسيب والرأس. والثمانية العريضة: هي الفخذان والوركان والمنكبان واللحيان، وقوله: (شديد الصفاق) أي نواحي الجنبين، والمطا: الظهر، أي: قوي الظهر والجوانب. وقوله: (وفيه من الطير خمس) فسرها بقوله غرابان إلخ ... والغرابان: طرفا الوركين الأسفلين، والقطاة: مقعد الردف، والنسر: بطن الحافر، واليعسوب: الغرة على قصبة الأنف، وقال آخر:
كأن قوادي والقيان هوت به ... من الحقب جرداء اليدين وثيق
الأجرد: الذي رق شعره وقصر، وقال آخر:
وجردٍ طار باطلها تسيلًا ... وأحدث قمؤها شعرًا قصارا
وقال عمرو بن كلثوم في معلقته:
وتحملنا غداة الروع جردٌ ... عرفن لنا نقائد وافتلينا
وردن دووارعًا وخرجن شعثًا ... كأمثال الرصائع قد بلينا
ورثناهن عن آباء صدقٍ ... ونورثها إذا متنا بنينا
أي: وتحملنا في الحروب خيل رقيقات الشعر قصيراته عرفن بأنهن لنا، وفطمن عندنا، ودروع الخيل: تجافيفها، أي: وردت وعليها التجافيف، وهي آلة يلبسونها للفرس في الحرب، وخرجت شعثًا قد بليت بعقد الأعنة لما نالها من الكلال والمشاق، وقد ورثناها من آباء كرام صادقين في القول والفعل وترثها منا أبناؤنا بعد موتنا، وقال المتنبي:
ومقانبٍ بمقانبٍ غادرتها ... أقوات وحشٍ كن من أقواتها
أقبلتها غرر الجياد كأنما ... أيدي بني عمران في جبهاتها
الثابتين فروسةً لجلودها ... في ظهرها والطعن في لباتها
العارفين بها كما عرفتهم ... والراكبين جدودهم أماتها
فكأنما نتجت قيامًا تحتهم ... وكأنهم ولدوا على صهواتها
إن الكرام بلا كرامٍ منهم ... مثل القلوب بلا سويداواتها
المقنب: الجماعة من الثلاثين إلى الأربعين، والواو في قوله: (والطعن) للحال، أي: أن الطعن نزف الخيل، وهم يثبتون في تلك الحال، وإذا خفضت فمعناه يثبتون في ظهورها ثبات الطعن، وقوله: (والعارفين) أي: أن هذه الخيل تعرفهم كما يعرفونها لأنها تناسلت عندهم، وجدودهم كانوا يركبون أماتها - ويقال الأمات فيما لا يعقل، والأمهات تطلق على من يعقل، ويجوز العكس - ويشبهه قول الصفي الحلب في السيد النقيب مجد الدين:
إذا افتخر الأقوام يومًا بمجدهم ... فإنك من قوم بهم يفخر المجد
1 / 55