بقي الإمام أبو مسلم في زنجبار خمس سنوات ثم رجع إلى عمان سنة (1300ه)، وعاد إليها مرة ثانية سنة (1305ه)، وهي عودته الأخيرة حيث بقي هنالك حتى وافته المنية.
أقام في زنجبار وألقى عصا الترحال بها، وعاش في كنف حكامها الذين أحاطوه بالرعاية التامة وأولوه العناية الكاملة، وذلك في عهد السلطان حمد بن ثويني، ومن بعده من سلاطين زنجبار.
وفي ذلك الجو الذي يسوده مناخ من التقدير والاحترام، وفي تلك الربوع الهادئة، وتحت سماء تلك المدينة الوادعة مدينة زنجبار انكب الإمام أبو مسلم على المطالعة، وقراءة نفائس الكتب الفقهية والأدبية، فكان الكتاب أستاذه الثاني، وجليسه المفضل، حتى نبغ في العربية، وفي الشعر والأدب، وفي العلوم الشرعية.
ثم تقلد منصب القضاء حيث صار قاضيا في زنجبار ثم تولى رئاسة القضاء بها، وكانت له منزلة رفيعة، ومرتبة عالية لدى الحكام لا سيما السلطان حمد بن ثويني، والسلطان حمود بن محمد بن سعيد، ولقد نبغ في الشعر نبوغا حتى صار لا يشق له غبار في مضماره. وكانت له حلبة السبق في بحوره وأغراضه، وقد تناول في شعره الأغراض الشعرية كالمديح، والرثاء، والغزل، وذكر المعاهد، والاستنهاض، والسلوك، يتجلى ذلك عبر قصائده الغرر حتى أطلق عليه لقب "شاعر العصر"، وله في حكام زنجبار قصائد في المديح لم يسبقه إليها سابق، ومن منطلق نبوغه في الأدب واهتمامه به قام بتأسيس جريدة (النجاح) في زنجبار عنيت بخدمة الأدب العربي، والقضايا الإسلامية، والاحداث الدولية، وكان هو رئيس تحريرها لفترة غير قصيرة من الزمن.
وفي آخر أيامه أخذ الشوق يشده إلى وطنه الأم عمان وذلك في عهد الإمام الرضي سالم بن راشد الخروصي، وقام يشدو بها شدو البلابل على
__________________________________
(1) انظر السيابي في مقدمة النثار - ص3، و للمولف في مقدمة العقيدة الوهبية - ص6، والديوان - ص300، 485،486، والخليلي في مقدمته للنفس الرحماني - ص7،6.
أغصانها، ويحن إليها حنين الإبل إلى معاطنها، ويشيد بها في شعره إشارة لا مثيل لها، يقول في قصيدته النونية:-
إن هيح البرق ذا شجو فقد سهرت ***عيني وشبت لشجو النفس نيران
وصير البرق جفني من سحائبه*** يا برق حسبك ما في الأرض ظمآن
صفحه ۵