نثار الجوهر لأبي مسلم البهلاني تحقيق العبودي
عنوان البحث: تحقيق مخطوط نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر، للعلامة أبي مسلم البهلاني من (160 - 193).
اسم الباحث: خليل بن إبراهيم بن عبدالله العبودي.
اسم المشرف: الشيخ / حميد بن محمد البوسعيدي.
اسم المناقش: الشيخ / إبراهيم بن يوسف الأغبري.
الهدف من البحث: إخراج التراث الإباضي من الخزائن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الضياع والهلاك.
الإهداء
إلى والدي العزيزين اللذين ربياني
صغيرا وتعهداني بحنانهما رجلا كبيرا،
وإلى كل غيور على تراث أمته من الضياع،
وإلى الذين بذلوا نفوسهم قناديل للإنارة
دروب السالكين، وحبروا بدمائهم أسطرا
للمتعلمين، إلى كل أولئك
أهدي عملي هذا.
خليل بن إبراهيم بن عبدالله العبودي
شكر وعرفان
أتقدم بخالص الشكر والعرفان إلى مشرفي الشيخ الفاضل / حميد بن محمد البوسعيدي الذي بذل قصارى جهده في سبيل إنجاح هذا البحث وإلى كل من ساعدني في بروزه وأخص منهم الأخ يوسف بن سعيد الجابري الذي كان له الدور البارز في طباعة هذا البحث، وكذلك الأخ ياسر بن سلطان المشايخي الذي شجعني وأرشدني إلى اختيار هذا البحث وإلى كل من أعانني في إخراج
هذا البحث إلى حيز الوجود.
إلى كل هؤلاء أزف أسمى آيات الشكر والعرفان
مع باقة من ورد الإجلال
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
صفحه ۱
الحمد الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وعلم فهدى، وخلق فسوى، الحمدالله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة وتنزل البركات، أحمده في السراء والضراء على ما كان وما يكون وما هو كائن اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد ........
فما من شك أن رقي الأمم واعتلائها مراتب الرفعة والسؤدد لم يكن في يوم من الأيام نسج الصدف، وإنما هو وليد عوامل ذللتها همم عالية، تبنت مبدأ يرتقي بأمتها وضحت من أجل مبدئها، وبذلت في سبيله ما عز وهان.
ومن المعلوم أن الأمة التي لا تعيش ماضيها تفقد حاضرها ومستقبلها؛ وذلك لأن نجاح الأمم وتقدمها مبني على تمسك أبنائها برصيدهم التأريخي وأصالتهم الحضارية.
ومن هنا كان لزاما على كل أمة تنشد التمكين والرقي أن ترجع إلى رصيدها التأريخي، وتراثها الحضاري، لتستنير في حاضرها بقبس من ماضيها التليد، وهنا يبرز دور الرجال اللذين سطر لهم التاريخ أمجادا يعجز مداد الأقلام عن رصدها.
واستنادا إلى هذا المبدأ وتطبيقا لهذه القاعدة قررت أن يكون بحث تخرجي من معهد العلوم الشرعية في مجال الكشف عن التراث وإخراجه من دياجير الظلام إلى منابر النور وقد وقع اختياري على مخطوطة ثمينة سطرها عالم الشعراء وشاعر العلماء العلامة الشيخ أبو مسلم البهلاني ألا وهي مخطوط نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر.
وبالجملة فإن أسباب اختياري لهذا الموضوع عدة أمور وهي:
1) مساهمة مني في إحياء التراث الإسلامي الذي نحن في أشد الحاجة إليه.
2) خدمة لإبراز جواهر المدرسة الإباضية التي تتطلع إليها الأمة الإسلامية.
3) تصحيح الرؤية عند الآخرين فيما يملكه الإباضية من رصيد فكري ونتاج علمي
4) مواكبة لمضمار التحقيق عند الآخرين، ومسايرة لركب الحضارة.
5) إستجابة لرغبة إخواني في إخراج هذا التراث ليعم النفع وتحصل الفائدة.
ولا يخلو عملي هذا من صعوبات واجهتني في إعداد هذا العمل المبارك. منها: -
1) قلة الوقت، وتزاحم المواد الدراسية.
2) عدم العثور على بعض التراجم، والآثار، وقد حاولت بقدر ما يتسع من الوقت للوصول إلى ترجمة بسيطة لهم.
3) ذكر المؤلف في بعض الأحيان نصا ولا ينسبه إلى قائل معين، ولا إلى كتاب معين، كأن يقول مثلا: قال بعض قومنا، ثم يأتي بالنص من كلامه، ثم يقول: انتهى كلامه.
صفحه ۲
4) أنه يذكر في بعض الأحيان نصا وينسبه إلى قائل معين، ولكن هذا القائل له مؤلفات كثيرة ومطولة، فمن الصعب تقليبها كلها للعثور على المعلومة.
5) عدم توفر بعض المصادر المهمة التي اعتمد عليها المؤلف.
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف (الناثر)
(الإمام العلامة أبي مسلم البهلاني)
اسمه ونسبه وكنيته:
هو العلامة المحقق والشاعر المفلق أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديم بن صالح بن محمد بن عبدالله بن محمد البهلاني الرواحي، القبيلة المعروفة في عبس، وهي رواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ينحدر من سلسلة كريمة المحتد عريقة النسب كلهم أهل علم، وفضل، وشرف، حيث إن جده عبدالله بن محمد البهلاني كان قاضيا في أيام دولة اليعاربة على وادي محرم، كما أن أباه الشيخ سالم بن عديم البهلاني كان قاضيا للإمام عزان بن قيس - رضي الله عنه - الذي استولى على زمام الحكم في عمان سنة (1285 1287ه)، اشتهر بكنيته " أبي مسلم "، ويكنى أيضا - على قلة - ب " أبي المهنا " (1).
مولده ونشأته وتعليمه:
ولد الإمام أبو مسلم - رحمه الله - في قرية محرم من أعمال ولاية سمائل بعمان سنة (1273ه) حسب رواية ابن أخيه الكاتب الأديب سالم بن سليمان البهلاني الذي صحب عمه ولازمه طويلا وكتب عنه شعره، ورواية أخرى ذكرها الشيخ سالم بن حمود السيابي على أنه ولد في سنة (1276ه)،كما أن هناك رواية أخرى تقول: إنه ولد سنة (1277ه) وصاحبها ابن الإمام (مهنا بن ناصر البهلاني)، ورواية رابعة عن سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي عند تقديمه لكتاب النفس الرحماني على أنه ولد سنة (1278ه)، وهي التي رجحها سماحته (2).
_______________________________
(1) انظر للمؤلف: مقدمة العقيدة الوهبية - ص5 - مكتبة مسقط - مسقط. عمان - ط1 (1424ه - 2003م)، وأحمد بن سعود السيابي في مقدمة النثار-ص10.
(2) انظر للمؤلف: مقدمة سماحة الشيخ أحمد الخليلي لكتاب النفس الرحماني - ص6 - مكتبة مسقط - مسقط. عمان - ط1 (1423ه - 2002م)، والسيابي في مقدمة النثار - ص10.
صفحه ۳
وقرية "محرم" هي موطن أبائه وأجداده وعشيرته، ويبعد وادي محرم الذي أضيف إلى هذه القرية عن العاصمة مسقط حوالي (150 كيلو مترا)، ويشتمل وادي محرم على العديد من القرى أكبرها محرم وهي القرية التي فتح فيها الإمام أبو مسلم عينه على هذا الوجود، حيث قضى مرحلة طفولته في أكنافها، وقد كانت يومئذ تعج بالعلماء، والأدباء، والشعراء، والشبيبة الصالحة، ولقد كانت عناية الإمام أبو مسلم - رحمه الله - بطلب العلم منذ صغره، حيث درس علومه الأولى على يد والده سالم بن عديم، فحفظ كتاب الله - عز وجل - وتدبر معانيه مما كان له الأثر الواضح في بناء شخصيته علما، وأدبا، وسلوكا، واستمع إلى ما قاله في قصيدته النونية المشهورة:
وخذ بكتاب الله حسبك إنه *** دليل مبين للطريق خفير
فما ضل من كان القرآن دليله *** وما خاب من سير القران يسير
تمسك به في حالة السخط والرضا*** وطهر به الآفات فهو طهور
وحارب به الشيطان والنفس تنتصر*** فكافيك منه عاصم ونصير
ثم انتقل بعد ذلك إلى بلدة (السيح) بوادي محرم، فلازم الشيخ محمد بن سليم الرواحي، فنهل من علومه الفياضة، ونبعه الصافي، فدرس العلوم الشرعية واللغوية ثم انتقل فيما بعد إلى قرية (البلة) من أعمال ولاية (بركا) بالباطنة الشريط الساحلي من عمان، وكان زميله في الدراسة الشيخ العالم الورع أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلي - رضي الله عنه - الذي أشار إليه بقوله في قصيدته النونية:-
أرتاح فيها إلى خل فيبهرني *** صدق وقصد ومعروف وإحسان
فحال حكم النوى بيني وبينهم*** هنا تيقنت أن الدهر خوان
وكانا صديقين متلازمين حتى شاء الله أن يغادر الإمام أبو مسلم إلى شرق إفريقيا زنجبار في سبيل طلب العلم وطلب الرزق (1).
________________________________
(1) انظر للمؤلف: مقدمة العقيدة الوهبية - ص6، مقدمة الديوان- تحقيق: علي النجدي ناصف (1400ه - 1980) - ص25.
رحلته إلى زنجبار (1):
شاءت عناية الله أن ينتقل الشيخ أبو مسلم إلى زنجبار، حيث كان سفره إليها سنة (1295ه) في العقد الثاني من عمره في زمن السلطان برغش بن سعيد بن سلطان، سلطان زنجبار، حيث كان والده سالم بن عديم البهلاني قاضيا للسلطان المذكور في زنجبار بعد انتهاء دولة الإمام عزان بن قيس في عمان.
صفحه ۴
بقي الإمام أبو مسلم في زنجبار خمس سنوات ثم رجع إلى عمان سنة (1300ه)، وعاد إليها مرة ثانية سنة (1305ه)، وهي عودته الأخيرة حيث بقي هنالك حتى وافته المنية.
أقام في زنجبار وألقى عصا الترحال بها، وعاش في كنف حكامها الذين أحاطوه بالرعاية التامة وأولوه العناية الكاملة، وذلك في عهد السلطان حمد بن ثويني، ومن بعده من سلاطين زنجبار.
وفي ذلك الجو الذي يسوده مناخ من التقدير والاحترام، وفي تلك الربوع الهادئة، وتحت سماء تلك المدينة الوادعة مدينة زنجبار انكب الإمام أبو مسلم على المطالعة، وقراءة نفائس الكتب الفقهية والأدبية، فكان الكتاب أستاذه الثاني، وجليسه المفضل، حتى نبغ في العربية، وفي الشعر والأدب، وفي العلوم الشرعية.
ثم تقلد منصب القضاء حيث صار قاضيا في زنجبار ثم تولى رئاسة القضاء بها، وكانت له منزلة رفيعة، ومرتبة عالية لدى الحكام لا سيما السلطان حمد بن ثويني، والسلطان حمود بن محمد بن سعيد، ولقد نبغ في الشعر نبوغا حتى صار لا يشق له غبار في مضماره. وكانت له حلبة السبق في بحوره وأغراضه، وقد تناول في شعره الأغراض الشعرية كالمديح، والرثاء، والغزل، وذكر المعاهد، والاستنهاض، والسلوك، يتجلى ذلك عبر قصائده الغرر حتى أطلق عليه لقب "شاعر العصر"، وله في حكام زنجبار قصائد في المديح لم يسبقه إليها سابق، ومن منطلق نبوغه في الأدب واهتمامه به قام بتأسيس جريدة (النجاح) في زنجبار عنيت بخدمة الأدب العربي، والقضايا الإسلامية، والاحداث الدولية، وكان هو رئيس تحريرها لفترة غير قصيرة من الزمن.
وفي آخر أيامه أخذ الشوق يشده إلى وطنه الأم عمان وذلك في عهد الإمام الرضي سالم بن راشد الخروصي، وقام يشدو بها شدو البلابل على
__________________________________
(1) انظر السيابي في مقدمة النثار - ص3، و للمولف في مقدمة العقيدة الوهبية - ص6، والديوان - ص300، 485،486، والخليلي في مقدمته للنفس الرحماني - ص7،6.
أغصانها، ويحن إليها حنين الإبل إلى معاطنها، ويشيد بها في شعره إشارة لا مثيل لها، يقول في قصيدته النونية:-
إن هيح البرق ذا شجو فقد سهرت ***عيني وشبت لشجو النفس نيران
وصير البرق جفني من سحائبه*** يا برق حسبك ما في الأرض ظمآن
صفحه ۵
إني أشح بدمعي أن يسح على *** أرض وما هي لي يا برق أوطان هبك استطرت فؤادي فاستطر رمقي *** إلى معاهد لي فيهن أشجان
تلك المعاهد ما عهدي بها انتقلت *** وهن وسط ضميري الآن سكان
نأيت عنها بحكم لا أفارقه *** بلى كما افترقت روح وجثمان
إلى أن قال:-
لها على القلب ميثاق يبوء به *** إن باء بالحب في الأوطان إيمان
ويقول في قصيدته الميمية:-
معاهد تذكاري سقتك الغمائم*** ملثا متى يقلع تلته سواجم
تعاهدك الآناء سح بعاقه*** فسوحك خضر والوهاد خضارم
ويقول فيها:-
تزاحم في روعي لها شوق واله *** وصبر وآن الصبر أن لا يزاحم
إذا لاح برق سابقته مدامعي *** وليت انطفاء البرق للعزب عاصم
خذا عللاني عن أحاديث جيرتي *** فإني بحب القوم ولهان هائم
ولا تسلما عقلي إلى هيمانه *** فذكرهم عندي رقى وتماثم
نزحت وفي نفسي شجون نوازع ***إليهم ونازعت الأسى وهو قائم
وفي قصيدته اللامية يقول:-
تفضل بالزيارة في عمان *** تجد أفعال أحرار الرجال
تجد ما شئت من مجد وفضل *** وأحساب عزيزات المثال
تجد ما قدمته من المنايا ***خيول الله في حزب الضلال
تجد من هيبة الإسلام شأنا ***عليه الكفر مبيض القذال
تجد همم الرجال مضممات *** بثأر الذين ترخص كل غال
صفاته وأخلاقه:-
إن تلك المنزلة التي تبوأها أبو مسلم - رحمه الله - لجديرة بأن يكون صاحبها متصفا بالصفات الحميدة، والأخلاق النبيلة، فإنه لا يبلغ شأو هذه المرتبة إلا أولئك الذين اصطفاهم الله من عبده العلماء ليكونوا لغيرهم قدوة، وأسوة في كل ما يأتون، وما يذرون.
وأبو مسلم اتصف بدمثة الخلق، ولين الجانب، وبشاشة الوجه، فكان أديبا ظريفا، في أدبه الفكاهة والدعابة، بشوشا في وجوه إخوانه وأصحابه، يفرح لفرحهم، ويترح لترحهم.
كما اتصف بالعفة في شعره، فلم يخرج عن روح العالم الفقيه، والقاضي النزيه، والمسلم الغيور، والمتعبد الزاهد، والمغترب الحنون.
صفحه ۶
كما أنه اتصف بالكرم النادر، فكان حاتم زمانه، كان بابه مفتوحا للوارد والصادر، غير متعقد لأجل شيء من دنياه، بل لا يرى في الدنيا شيئا ينبغي أن تشح به النفس.
قال الشيخ سالم بن حمود السيابي عنه: ((أخبرني عن كرمه الحاتمي من عاصره وعاش بالقرب منه، وهذا هو خلق العلماء الذين يستحقون الوصف باسم العلم، فإن الدنيا رأس كل خطيئة، ولا يشح بها إلا المشغول بحبها، والعياذ بالله)) (1).
تلاميذه (2):
رغم اشتغال الإمام أبو مسلم بأمور القضاء، والتأليف، وجهاده الإصلاحي، واشتغاله بأمور المسلمين إلى غير ذلك من الأعمال والأشغال، فقد حمل عنه العلم كثيرون نذكر منهم:
الشيخ برهان مكلا القمري من جزر القمر.
الشيخ سالم بن سليمان البهلاني (ابن أخيه).
الشيخ سالم بن سليمان بن عمير الرواحي.
الشيخ سالم بن محمد الرواحي.
___________________________________
(1) انظر السيابي في مقدمة النثار، ص6، ومقدمة الخليلي في مقدمة النفس الرحماني، ص8،7 (بتصرف).
(2) انظر مقدمة العقيدة الوهبية، ص10.
5 - الشيخ سيف بن عبدالله الرواحي.
6 - الشيخ عبدالرحمن بن محمد الرواحي.
7 - الشيخ عبدالله بن محمد الحبيشي.
8 - الشيخ مهنا بن ناصر بن سالم البهلاني (ابنه).
مؤلفاته وآثاره (1):
1 - النشأة المحمدية في مولد خير البرية (كتيب في المولد النبوي).
2 - النور المحمدي (أصل للنشأة المحمدية).
3 - النفس الرحماني (شعر في الأذكار).
4 - كتاب السؤالات (أجوبة وفتاوى).
5 - العقيدة الوهبية (كتاب في التوحيد على هيئة حوار بين أستاذ وتلميذه).
صفحه ۷
6 - ديوان شعر (الديوان المعروف).
7 - اللوامع البرقية في رحلة مولانا السلطان المعظم حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان بالأقطار الإفريقية الشرقية (مشاهداته حال ملازمته للسلطان في تلك الرحلة).
8 - ألواح الأنوار وأرواح الأسرار (في الذكر).
9 - النور الوقاد في علم الاعتقاد (أرجوزة في العقيدة).
10 - جريدة النجاح (صحيفة تصدر في الشهر ثلاث مرات باسم حزب الإصلاح).
11 - السياسة بالإيمان (في السياسة الشرعية).
12 - رسالة إلى إمام المسلمين بعمان سالم بن راشد بن سليمان الخروصي (نصائح ومواعظ).
13 - الكنوز الصمدية في التوسل بالمعاجز المحمدية (أدعية في التوسل بمعجزات النبي- صلى الله عليه وسلم -).
14 - تقاريظ على بعض الكتب منها:-
* منهل الوراد؛ للشيخ أحمد بن أبي بكر بن سميط العلوي.
* هميان الزاد إلى دار المعاد؛ لقطب الأئمة محمد بن يوسف اطفيش.
* مدارج الكمال بنظم مختصر الخصال؛ للعلامة نور الدين السالمي.
15 - مقالات: نشر بعضها في (النجاح) بعد استعفاء أبي مسلم عن تحريرها، وبعضها الآخر في الصحف المصرية.
_______________________________
(1) انظر مقدمة العقيدة الوهبية - ص11 وما بعدها (بتصرف).
16 - نثار الجوهر، وهو الذي بين يدي القارئ، وهو شرح لكتاب "جوهر النظام" للإمام نور الدين عبدالله بن حميد السالمي رضي الله عنه. ويتكون "نثار الجوهر" من ثلاثة أجزاء، كان في نية الإمام أبو مسلم أن يجعله في اثنين وعشرين جزءا لولا أن الأجل وافاه قبل بلوغ الأمل.
وكان خاتمة المطاف في هذا الشرح القيم نهاية باب الصوم، ولعمري فقد أودعه خلاصة اجتهاده ونتيجة أبحاثه الطويلة. فالذي يقف على هذا الكتاب يرى ما فيه من عظمة التدقيق، وجودة التحقيق، وسعة اطلاع الإمام أبو مسلم، ورسوخ قدمه في علم الشريعة، ومن نافلة القول أن نشير إلى أن هذا الكتاب لا يستغني عنه باحث في الفقه المقارن.
وفاته ورثاؤه:
صفحه ۸
انتقل الإمام أبو مسلم إلى رحمة الله في اليوم الثاني من شهر صفر سنة (1339ه) بمدينة زنجبار بأفريقيا الشرقية بعد أن عاش خمسا وستين سنة قضاها في خدمة العلم والأدب، ولزوم طاعة الله، والدفاع عن الإسلام.
لقد عاش - رحمه الله - حياة حافلة بكل معاني الإنسانية، فقد كان عالما فاضلا، وأديبا لبيبا، وجوادا كريما، وكانت وفاته بمدينة زنجبار بإفريقيا الشرقية، وقد رثاه حفيده الشاعر سالم بن سليمان بن عمير الرواحي بقصيدة مطلعها:-
إليك إليك عني يا دفار *** فإنك لست لي أبدا بدار
مزجت السم في عسل مصفى *** لكل أخي جنون واغترار
ويقول فيها:-
فوا أسفي على شيخي وركني *** ومعتمدي ومستندي وجاري
سأبذل في البكاء عليه جهدي *** أكفكف دمع عيني بانهمار
لقد شط المزار فلا لقاء *** إلى يوم اللقا والانتشار
ووا لهفا عليك أبا المهنا *** أتسمع أنت مني ذا الجؤار
فمن لي والكوارث والعوادي *** إذا شدت عوابسها الضواري
لقد كنت المرزأ والمرجى *** إذا ضن الغيوث عن انحدار
رحلت لدعوة الرحمن عنا *** وأبنا بالتحرق والأوار
فيا رحم المهيمن خير حبر *** دفناه بأرض الزنجبار
وأزلفه إلى الفردوس منا *** ولقانا به في خير دار
كما رثاه الشيخ سالم بن حمود السيابي حيث يقول:-
أبا مسلم هل من يسد لثغرة *** من العلم قد ما كنت فيها مصدرا
أبا مسلم من للمعارف مطلقا *** يعبر عنها بالمراشد للورى
أبا مسلم من للبيان يصوغه *** قلايد در حيرت من تبصرا
أبا مسلم من للقوافي إذا أتت *** ومن ذا الذي يعلو بها فيك منبرا
أبا مسلم أديت للحق واجبا *** وأيقضت للإسلام من سنة الكرى
أبا مسلم رصعت تأريخك الذي *** عرفت به درأ نضيدا وجوهرا
وآخر ما دبج يراعه، وجادت به قريحته في فن القريض "ثمرات المعارف" تخميس لميمية الشيخ العالم الرباني سليمان بن خلفان الخليلي - رضي الله عنه - فقد سال بها قلمه يوم 28 محرم (1339ه) أي قبل آخر عهده بالدنيا بثلاثة أيام، ومطلعها:
صفحه ۹
هو الله فاعرفه * ودع فيه من وما
دعاك ولم يترك * طريقك مظلما
عن الحق نحو الخ * لق يدفعك العمى
تقدم إلى باب المليك مقدما *** له منك نفسا قبل أن تتقدما (1)
اللهم فارحم الشيخ أبا مسلم رحمة واسعة، وأنزل عليه من شآبيب لطفك، وأسكنه فسيح جناتك، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ..
___________________________________
(1) انظر مقدمة الديوان، والسيابي في مقدمة النثار - ص9، ومقدمة العقيدة الوهبية - ص11، والخليلي في مقدمة النفس الرحماني - ص6 (بتصرف).
الفصل الثاني: التعريف بالمؤلف (الكتاب)
(نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر)
عنوان الكتاب وصحة نسبته إلى المؤلف:
عنوان هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيق جزء منه هو " نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر "، ولم تحصل أية شبهة لا من قريب ولا من بعيد تحوم حول تسميته بغير هذا الاسم.
وقد جاء عنوان الكتاب مكتوبا بخط يد المؤلف في بداية النثار هكذا: " كتاب نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر، للعبد أبي مسلم، نثرا وتصنيفا، نفع الله به علما وعملا ".
كما جاء في آخر السفر الأول من الكتاب بخط يد المؤلف أيضا: " تم السفر الأول من كتاب نثار الجوهر بعون الله تعالى وحسن توفيقه، ويليه إن شاء الله السفر الثاني، وأوله باب نواقض الصلاة، ولا بلاغ إلا بالله على يد مؤلفه المفتقر إلى رحمة الله ناصر بن سالم بن عديم الرواحي يوم 24 ربيع الأول من شهر سنة 1336ه ".
على أية حال لم تحدث أية شبهة ولله الحمد والمنة حول نسبة الكتاب إلى مؤلفه العلامة الكبير أبي مسلم الرواحي - رحمه الله تعالى - فكل المصادر، والمراجع، والبحوث، والدراسات تؤكد نسبته إليه، ولم نطلع على كلام يحاول أن ينسب الكتاب إلى غيره.
بواعث تأليف الكتاب:
صفحه ۱۰
لقد أوضح المؤلف - رحمه الله تعالى - في مقدمته على النثار البواعث التي دعته إلى نثر " جوهر النظام " للإمام الرباني نور الدين السالمي - رحمه الله تعالى - حيث قال بعد ذكره للإمام السالمي وثنائه عليه وعلى كتابه الجوهر: " بيد إن النظم على غزارة جدواه مظنة الإجمال، ليس في كل موطن جميلا، فلو طار الناظم بأجنحة البلاغة لإدراك التفصيل في محله لم يستطعه وصولا، ولم يجد لإتقان التحقيق سبيلا، وربما اختصر المعنى، واقتطع جانبا من مقصوده، واقتنع بالتلميح، مع أن ضالته المنشودة الظهور والجلاء والتصريح، ويلتزم التعويض في موضع الفاقة إلى التسهيل والبيان، ويكتفي بالإشارة حيث يلزمه العيان، وإنما يلجئه إلى هذا ضيق نطاق الميزان، وإعطاء الشعر حقه من بديع المعاني وسحر البيان، هذا مع ارتهانه بالتفتيش عن خبايا زوايا الأصول، استنباطا للأدلة، واستيفاء واجب الكلام في الوجه والسبب والعلة، لما يقتضيه معرض الاحتجاج من التوضيح والبرهنة والحجاج، والجري في مضمار الاستدلال ن إلى الغاية المنهية الجدال، وتحقيق فصل الخطاب بين السنة والبدعة، وإجلاء الأشباه والنظائر لتتميم تركيب الأقيسة، وغير هذا مما يفتقر إليه محرر الفقه من صرف العناية إلى وضع الحقائق مواضعها، وناهيك بالشرع المقدس وطول مباحثه، سيما الاجتهادات لاستدعائها البحث، والفكر، وتسليط النظر، واستنباط الأعدل للحكم والفتوى والعمل به، فأين ضيق عطن الميزان الشعري من الإفصاح عن هذه الأبحر العميقة؟ لا جرم لهذا الداعي العظيم، حداني إلى نثر جوهر النظام من لا تسعني مخافته في مقام، ومن حقه علي لحقوق الناس إمام ... " (1). ا. ه.
ويمكن تلخيص هذه البواعث على ما يأتي:-
تفصيل المجمل وذلك للتسهيل والبيان والفهم.
إعطاء الشعر حقه من بديع المعاني وسحر البيان.
التفتيش عن خبايا زوايا الأصول استنباطا للأدلة.
استيفاء واجب الكلام في الوجه والسبب والعلة، لما يقتضيه معرض الاحتجاج من التوضيح والبرهنة والحجاج.
تحقيق فصل الخطاب بين السنة والبدعة، وإجلاء الأشباه والنظائر.
صرف العناية إلى وضع الحقائق في مواضعها.
فلأجل هذا الداعي، شمر الإمام أبو مسلم عن ساعد الجد في تفصيل ما أجمله الجوهر، وبذل كل ما في وسعه في نثر أبياته وتحقيق مسائله.
قيمة الكتاب ومكانته العلمية:
كتاب نثار الجوهر هو شرح لكتاب " جوهر النظام " للإمام السالمي، وقد جاء هذا النثر موسوعة فقهية كبرى، وآية عجيبة عظمى، تدل على الدرجة العلمية الرفيعة التي وصل إليها العلامة أبو مسلم رحمه الله تعالى.
صفحه ۱۱
__________________________________
(1) انظر مقدمة النثار، ص3.
يقول الشيخ سالم بن حمود السيابي عن " نثار الجوهر ": " ولا شك أن حقيقة نثار الجوهر شرح لنظام الجوهر، لكن على أسلوب بديع، إذ كان وضع الشرح ممتزجا بالنظام امتزاج الدم باللحم أو امتزاج اللبن بالماء، بحيث لا يعرف الشرح من الأصل، فكأنه لحمة وسداة لا تتميز إحداهما من الأخرى، مع تحقيق يشهد به العقل، وتدقيق وإيضاح يدعمه النقل، فإن العلامة أبا مسلم له إدراك قوي في الفقه، فينقل وينتقد، ويستدل ويرجع، ويفند ويصحح، ويؤكد بقوة إدراك، وبوعي لا يتطرق عليه ارتباك، وكل ذلك من تخصيص الله لمن ارتضاه من عباده، وبذلك هم أن يكون هذا المؤلف في عدة أجزاء، فإنه وضع فيه مهارته، وحقق في عبارته، وأثبت فيه إشارته، فكان قول كل من اطلع عليه: ليته تم فيكون نفعه أعظم وأعم، ولكن إرادة الله سابقة، فيقال: إن الحاصل منه يبلغ أربعة مجلدات، وكان على ما يقال: أن لو تم لجاوز العشرين مجلدا، فهو أشبه بمعارج الآمال من ناحية، وإن خالفه من نواحي، إلا أن إشباع البحث متقارب، وتوسيع الوضع متناسب " (1) ا. ه.
ويقول عنه الشيخ أحمد بن سعود السيابي: " ولعمري فقد أودعه خلاصة اجتهاده، ونتيجة أبحاثه الطويلة، فالذي يقف على هذا الكتاب يرى ما فيه من عظمة التدقيق، وجودة التحقيق، وسعة اطلاع المؤلف، ورسوخ قدمه في علم الشريعة، ومن نافلة القول أن نشير إلى أن هذا الكتاب لا يستغني عنه باحث في الفقه المقارن " (2) ا. ه.
وهكذا نال هذا الكتاب قيمة قوية واسعة، ومكانة علمية مرموقة، من حيث شهادة العلماء على مكانته، وشهادة كل قارئ ومتطلع عليه.
مميزاته:
لنثار الجوهر مميزات عدة نذكر بعضا منها فيما يأتي:-
أن هذا الكتاب موسوعة علمية كبرى في الفقه المقارن، وأصول الفقه، وعلم الحديث، واللغة، وعلم الكلام، والأدب، فهو ثري بالمناقشات التي تتعلق بالقضايا الفقهية، والأصولية، والكلامية، والحديثية، واللغوية؛ فالذي يطلع عليه يستفيد منه في جميع هذه العلوم، وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على سعة اطلاع مؤلفه، وطول باعه، ورسوخ قدمه في فنون العلم.
صفحه ۱۲
____________________________________ (1) انظر سالم السيابي في مقدمته للنثار، ص7.
(2) انظر أحمد السيابي في مقدمته للنثار، ص13.
أن هذا الكتاب مرتب ترتيبا منهجيا دقيقا، يدل على حدة الذكاء، والحذق عند المؤلف رحمه الله تعالى.
تظهر الملكة الشعرية واضحة جلية، وذلك من خلال إراده الأبيات التي تلخص ما أراد قوله.
وهناك مميزات أخرى للكتاب يدركها من اطلع عليه في خلال مطالعته له.
بيان رموز الكتاب:
أوضح المؤلف - رحمه الله تعالى - في مقدمة كتابه معاني الرموز التي استخدمها في كتابه، وهي كالتالي:
- ص: رمز إلى أن العبارة بعده هي نثر الشيخ أبي مسلم للأصل.
- قلت: أي أن الكلام بعدها هو من زيادة الناثر على الأصل.
- ا. ه: علامة انتهاء زيادة، ورجوعه إلى نثر الأصل.
- قال المص: المراد به الشيخ السالمي رحمه الله تعالى.
- قال القطب: المراد به قطب الأئمة محمد بن يوسف اطفيش رحمه الله تعالى.
- ح: رمز إلى حديث يذكره بعدها.
} - - - {
منهج التحقيق
حاولت بقدر الاستطاعة إخراج هذا التراث بطريقة علمية، حيث لم أتكلف مشقة البحث عن مخطوطات الكتاب، لأنه لم يبلغني أن هناك مخطوطة أخرى كتبت بخط المؤلف إلا المخطوطة المتداولة المشهورة التي قام بتصويرها وتوزيعها الوالد حمد بن سالم الرواحي، ويقع هذا الجزء الذي قمت بتحقيقه في ثلاث وثلاثين صفحة من القطع الكبير، مقاسها 18×28سم، وعدد الأسطر في كل صفحة ثلاثين سطرا على المتوسط، والخط أسود، والرموز والعناوين باللون الأحمر، وهو خط واضح جميل مقرؤ، وكان العمل على النحو التالي: -
ضبط النص وكيفية التعامل مع الأخطاء:-
1) طباعة الكتاب على جهاز الحاسوب مباشرة دون كتابة المخطوطة بخط اليد، مع تصحيح الأخطاء الإملائية الشائعة.
2) قمت بوضع علامات الترقيم قدر المستطاع، وذلك حتى يساعد القارئ على فهم النص.
صفحه ۱۳
التعليق على النص:-
1) قمت بتوثيق المسائل من المصادر الأصلية التي أخذت منها.
2) قمت بتخريج الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار المروية الواردة في الكتاب، ووضعها في الهامش.
3) قمت بعزو الأقوال إلى قائليها في أكثر الأقوال، ووضعها في الهامش.
4) عرفت بالأعلام المغمورة، وأغلب الأعلام المشهورة.
5) قمت ببيان معاني الكلمات الغريبة
6) قمت بالتعليق على بعض المسائل التي تحتاج إلى تعليق.
7) قمت بعمل مقدمة تشتمل على التعريف بالمؤلف، والمؤلف.
8) اكتفيت بذكر تفاصيل كتب الحديث في قائمة المصادر والمراجع.
9) قمت بوضع قائمة للمصادر والمراجع، وفهرس للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأعلام، وفهرس شامل للكتاب؛ تسهيلا للقارئ، وإعانة له على الاستفادة منه، حيث أني رتبت فهرس الآيات على حسب ترتيب سور المصحف، والأحاديث حسب ورودها في النص.
الصفحة الأولى من المخطوطة
الصفحة الأخيرة من المخطوطة
" كتاب الوضوء "
قلت: هنا مباحث:
المبحث الأول:
الوضوء بضم الواو: الفعل، وبفتحها: اسم للماء المعد للوضوء ولمطلق الماء، واسم للماء المستعمل وضوءا لسائر العبادات، وقوله عليه السلام: " ما منكم من رجل يقرب وضوءه ... " الحديث (1)، يدل لهذا، وقيل: غير هذا المشهور، وهو أن الوضوء بالفتح فعل المتوضيء، وبالضم الماء الذي يتوضأ به، وعن الخليل (2): الفتح فيهما، وشذ القول بضمهما، وقولنا: بالضم الفعل، أي فعل المتوضىء حين استعماله في الأعضاء المخصوصة له، فالوضوء مصدر توضأت للصلاة، ولا تقل: توضيت بالياء بدل الهمزة، وأصله من الوضاءة وهي النظافة والحسن، تقول: وضوء الرجل بوزن حسن، أي صار وضيئا، أي: صار نظيفا حسنا وذكر القطب (3)
صفحه ۱۴
__________ (1) ما منكم من رجل يقرب وضوءه ... )) رواه مسلم، في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة، ص 298، ح (832)، من طريق: عمرو بن عبسة، ورواه الدار قطني، في سننه، كتاب الطهارة، باب ما روي في فضل الوضوء واستيعاب جميع القدم في الوضوء بالماء، 1/ 113، ح (373)، من طريق: عمرو بن عبسة.
(2) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن من أئمة اللغة والأدب، ولد عام 100ه ، وواضع علم العروض، أخذ عنه سيبويه، والأصمعي له عدة مؤلفات أشهرها (العين) وكتاب (النقط والشكل) وغيرها، مات سنة 170ه. (ينظر: الأعلام،.لخير الدين الزركلي،2/ 314،دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، ط7، 1986م، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للحافظ جلال الدين السيوطي، 1/ 558، دار الفكر، ط2، 1399ه / 1979م).
(3) محمد بن يوسف أطفيش، أشهر عالم إباضي بالمغرب الإسلامي في العصور الحديثة، ولد بغرداية سنة 1237ه، ومن أهم من شيوخه أخيه الأكبر إبراهيم بن يوسف، والشيخ سعيد بن يوسف وينتن، ومن أهم تلامذته: إبراهيم أطفيش أبو إسحاق، داود بن سعيد بن يوسف، وقد ألف العديد من الكتب التي أثرى بها المكتبة الإسلامية من أشهرها " تيسير التفسير"، " شرح النيل"، " هميان الزاد إلى دار المعاد"، وتوفي بمرض دام إسبوعا بعد أن قضى قرابة قرن في الجهاد العلمي والإصلاحي، وكانت وفاته سنة 1332ه. (ينظر: معجم أعلام الإباضية- قسم المغرب-، محمد بن موسى بابا عمي، مصطفى بابو، وآخرون، 2/ 399 وما بعدها، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1404ه / 1984م).
تبعا للوضع أن من معاني الوضاءة الطهارة أيضا. (1)
وفي الشرع: فعل المأمور به في قوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} (2) وعرفه بعض بأنه تطهير أعضاء مخصوصة بالماء المطلق لتنظف وتحسن ويرفع عنها حكم الحدث لتستباح بها العبادة الممنوعة قبل، وزاد القطب في التعريف قوله: ويرفع عنها وعن سائر البدن حكم الحدث ... إلخ (3)
__________
(1) الجامع الصغير، محمد بن يوسف أطفيش، 1/ 144، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان،1406ه/1986م.
صفحه ۱۵
(2) سورة المائدة /6
(3) الجامع الصغير، 1/ 144.
ا ه، وهذا إتمام للتعريف، لأن الحدث يرتفع عن البدن عموما لا عن خصوص الأعضاء، فلعل مذهبه أن الحدث الأصغر حل بالبدن كله كالجنابة، فاكتفى بالأربعة تخفيفا لتكرره، خلافا لمن قال: إن الحدث الأصغر حال بالأعضاء الأربعة بخصوصها، وظاهر (القواعد) (1) عموم الحدث للبدن لما قاله في التسمية، بأن من لم يذكر قيل: لم يتطهر منه إلا ما غسل (2)، ومعنى يذكر: أن يذكر الله بأي ذكر، أو يقول: بسم الله، أو يتم البسملة.
قال القطب: ولعل المراد : لا يثاب إلا على ما غسل، والحدث معنى قائم في بدن الطاهر، كما يقوم الجنابة والحيض في بدن الحائض والجنب. (3)
المبحث الثاني:
__________
(1) قواعد الإسلام كتاب للإمام أبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي، وينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول: 1 - تفصيل القول في العقيدة 2 - العبادات وأقسامها 3 - الكلام على حقوق الله والعباد أمرا ونهيا فعلا وتركا وعلى شيء من آداب السلوك، وقد تأثر المؤلف إلى حد بعيد بمسلك الإمام الغزالي في (الإحياء) من استشهاد بالأحاديث الضعيفة والموضوعة أحيانا في باب الترغيب والترهيب تجوزا، وقد حشى على الكتاب الشيخ أبو ستة من علماء القرن الحادي عشر. (ينظر: كتاب قواعد الإسلام، للإمام أبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي، علق عليه: بكلي عبدالرحمن عمر، ص (ب)، ط1، بدون تاريخ نشر).
(2) قواعد الإسلام، للإمام أبي طاهر إسماعيل الجيطالي، 1/ 172.
(3) الجامع الصغير، 1/ 144.
الوضوء واجب بالقرآن والسنة والإجماع، قال الله سبحانه: (يأيها الذي ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة) (1)، أي: إذا أردتم القيام إليها وأنتم على غير طهر، وأما من كان على طهر فلا تجب إعادة الوضوء عليه لكل صلاة، بل يستحب استحبابا، " روى ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد " (2) وزعم بعض: أن الوضوء واجب عند إرادة القيام لكل صلاة (3) وهو مردود برواية ابن عمر المذكورة، ورواية ابن عباس: لا وضوء إلا من حدث (4) أي: لا وضوء واجب، وقيل: كان واجبا عند القيام لكل صلاة ثم نسخ. (5)
صفحه ۱۶
__________
(1) سبق تخريجها.
(2) أخرجه أبو داود، في سننه، كتاب الطهارة، باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد، ص 35، ح (172)، وأخرجه الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد، ص 153، ح (61)، وأخرجه النسائي، كتاب الطهارة، باب الوضوء لكل صلاة، ص، ح (131)، من طريق: أنس بن مالك، وابن بريدة.
(3) الكشاف، لأبي القاسم الزمخشري، 1/ 596، بدون طبعه، وتاريخ النشر، دار المعرفة، بيروت- لبنان.
(4) لم أقف على تخريجه من طريق ابن عباس، بل من طرق آخرى وهي: أخرجه البخاري، في صحيحه، كتاب البيوع، باب من لم ير الوساوس ونحوها من المشبهات، ص 389، ح (2056)، من طريق: عباد بن تميم عن عمه، بلفظ مختلف،، وأخرجه الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء من الوضوء من الريح، ص 31، ح (74)، من طريق: أبي هريرة، بلفظ مختلف، وأخرجه ابن أبي شيبة، في مصنفه، من كان يصلي الصلاة بوضوء واحد، 1/ 34، ح (199)، من طريق: علقمة.
(5) نقل هذا القول الشيخ القطب عن الفخر الرازي عن الظاهرية، بأن الوضوء عندهم ينتقض بدخول وقت الصلاة بعد الأول، وأن لكل صلاة طهارة، ودليلهم على ذلك: أن الآية على ظاهرها من أن لكل صلاة طهارة، وأيضا نقل هذا القول عن عمر بن الخطاب، بأنه كان يتوضأ لكل صلاة. (ينظر: تيسير التفسير، محمد بن يوسف أطفيش، 3/ 33، بدون طبعه، وتاريخ نشر، مكتبة الضامري، مسقط، سلطنة عمان، مفاتيح الغيب، للإمام الفخر الرازي، 11/ 118، ط (1)، 1411ه- 1990م، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، موسوعة فقه عمر بن الخطاب، الدكتور: محمد رواس قلعه جي، ط (1)، 1401ه- 1981م، دار النفائس).
والحدث في حكم الشرع ما ينقض الوضوء بنفسه، كالخارج من السبيلين مطلقا، وحمل الشرع عليه ملاقاة الأنجاس غير اليابسة، وتنقض الميتة ولو يابسة، وحمل أيضا الغيبة والنميمة، وقاس بعض الكبائر على الغيبة والنميمة، ومنها الكذب، ونظر الشهوة الحرام، واليمين الغموس، وسيأتي الكلام هنا في النواقض.
صفحه ۱۷
أما وجوبه بالكتاب فبالآية الشريفة وهي قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلوة) (1) أي: إذا أردتم الصلاة، فعبر بالقيام عن الإرادة، مجازا من تسمية الشيء بما يؤول إليه، ومن عادة العرب التعبير عن أمور بالفعل.
أحدها: وقوع نفس الفعل وحقيقته.
ثانيها: مشارفة الفعل، كقوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) (2) أي: فشارفن انقضاء العدة، إذ بعد إنقضائها لا حكم لكم على المطلقات، وأكثر ما يكون تسمية مشارفة الفعل باسم الفعل بعد أداة الشرط.
ثالثها: تسمية إرادة الفعل باسم الفعل، وأكثر هذا بعد أداة الشرط أيضا.
رابعها: القدرة على الفعل تسمى باسم الفعل، نحو: (وعدا علينا إنا كنا فاعلين) (3) أي: قادرين على الفعل لتسببه عن القدرة والإرادة، والعرب تقيم السبب عن المسبب، وبالعكس.
واستنبط بعض من الآية وجوب النية في الوضوء، بتقدير: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها.
وبالجلمة: فمذهب الآية فرض الوضوء المعين مع حكم الحديث حين وجوب الصلاة.
__________
(1) سبق تخريجها.
(2) البقرة / 231.
(3) الأنبياء / 104.
وأما بالسنة ففي (ح):" لا إيمان لمن لا صلاة له ولا صلاة لمن لا وضوء له، ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله " (1)،و (ح): " لا صلاة بغير طهور " (2) والمراد به ما هو أعم من الوضوء، فدخل فيه الوضوء وغيره و (ح): " الطهور شطر الإيمان " (3) أي الأجر فيه نصف أجر الإيمان، أو إن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا، وكذا الوضوء يجب ما قبله من الصغائر، لكن لما كان الصلاة.
وقوله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) (4) المراد بالإيمان هنا الصلاة، والطهارة شرط في صحة الصلاة، فصارت كالشطر، ولا يلزم من الشطر أن يكون نصفا حقيقيا أقوال رجح بعضهم الأخير (5)، وذلك على كل حال، دليل على وجوب الوضوء.
__________
(1) أخرجه الربيع، كتاب الطهارة، باب آداب الوضوء وفرضه، ص 30، ح (91)، من طريق: ابن عباس.
صفحه ۱۸
(2) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، ص 119، ح (224)، من طريق: سماك بن حرب، أخرجه الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، ص 19، ح (1)، من طريق: ابن عمر، أخرجه البيهقي، في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب من أحدث في صلاته قبل الإحلال منها بالتسليم، 2/ 361، ح (3380)
(3) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، ص 119، ح (223)، من طريق: أبي مالك الأشعري، أخرجه البيهقي، السنن الكبرى، كتاب الطهارة، باب فرض الطهور ومحله الإيمان، ح (185)، أخرجه الدارمي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الطهور، ص 94، ح (676)، من طريق: أبي مالك الأشعري.
(4) البقرة / 143.
(5) رجح هذا القول النووي في شرحه لصحيح مسلم، 2/ 100، ط (3)، بدون تاريخ الطبعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.
قال بعض قومنا: المراد هنا بالإيمان الصلاة (1)، قال الله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) (2) أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، وأطلق الإيمان عليها لأنها أعظم آثاره، وأشرف نتائجه وأنوار أسراره، وجعلت الطهارة شطرها لأن صحتها باستجماع الشرائط والأركان، والطهارة أقوى الشرائط وأظهرها، فجعلت كأنها لا شرط سواها، والشرط شطر ما يتوقف عليه المشروط وقيل: المراد بالشطر مطلق الجزء لا النصف الحقيقي، كقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) (3).
ثم إن كان مراده عليه السلام بالإيمان الصلاة فلا إشكال، وإن كان الإيمان المتعارف، فالجزء محمول على أجزاء كماله، ولا تنافيه رواية " الطهور نصف الإيمان" (4)، فإنه قد يكون بمعنى النصف، كما في (ح): " علم الفرائض نصف العلم " (5).
__________
(1) ذهب كثير من المفسرين إلى أن معنى الإيمان في الآية " وما كان الله ليضيع إيمانكم " الصلاة، ومنهم: الطبري، والإمام الشوكاني، والصابوني، في تفاسيرهم. (ينظر: جامع البيان، أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، 2/ 16، بدون طبعه، 1408ه - 1988م، دار الفكر، بيروت - لبنان، فتح القدير، الإمام محمد بن علي الشوكاني، 1/ 191، ط (1)، 1415ه- 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، صفوة التفاسير، محمد بن علي الصابوني، 1/ 103، دار القلم، ط5، 1406ه / 1986م).
(2) سبق تخريجها.
صفحه ۱۹
(3) البقرة / 144.
(4) أخرجه الدارمي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الطهور، ص 94، ح (677)، من طريق: رجل من بني سليم.
(5) أخرجه ابن ماجه، كتاب الفرائض، باب الحث على تعليم الفرائض، ص 297، ح (2719)، من طريق: أبي هريرة، أخرجه البيهقي، كتاب الفرائض، باب الحث على تعليم الفرائض، 9/ 241، ح (12420)، من طريق أبي هريرة.
وقيل: المراد بالإيمان حقيقته، لأن الإيمان طهارة القلب عن الشرك والطهور طهارة الأعضاء من الحدث والخبث، وحاصله أن الطهارة نصفان، أي فجنسها نوعان: طهارة الظاهر وطهارة الباطن.
وحمل بعض محققي قومنا الحديث على أن المراد بالطهور تزكية عن العقائد الزائغة، والأخلاق الذميمة، وهي شطر الإيمان الكامل، فإنه تخلية (1) وتحلية (2).
وقال بعضهم: الإيمان هو على حقيقته المنبئة عن نفي الألوهية لغيره تعالى، وإثبات الربوبية والتوحيد الذاتي له سبحانه، وهذا المركب هو معنى الكلمة الطيبة التي عليها مبنى الإيمان، قال تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) (3) قال: ولا يضرنا إيراد الحديث في كتاب الطهارة، فإنه بحسب فهم بعض المصنفين.
وأما الإجماع فإنه لم ينقل عن أحد من المسلمين في ذلك خلاف، وهل هو لما عدا الفرائض واجب كما هو صريح (الإيضاح) (4)
__________
(1) التخلية: التخلي عن الرذائل.
(2) التحلية: التحلي بالأخلاق الفاضلة.
(3) البقرة / 256.
صفحه ۲۰