[حول رؤية الله في الآخرة، وبيان الحق في ذلك]
قد ثبت أن الله سبحانه وتعالى ليس بجسم، كما تقدم من أنه غني عن المكان، لأنه كان الله ولا مكان، فلو كان جسما لاحتاج إلى مكان، وقد اتفق المسلمون على أن الله تعالى هو خالق الأمكنة والسموات والأرض والعرش والكرسي والماء، والرؤية لا تصح إلا للجسم وتوابعه من الأعراض.
وقولهم يرى بلا كيف لا يقبلها العقل، فلا يصح أن يرى سبحانه يوم القيامة لا في جهة فلا يراه الرائي أمامه ولا خلفه، ولا عن يمينه أو يساره، أو فوقه أو تحته. هذا من المحالات الفطرية التي فطر الله العقول عليها، وقد قال تعالى: ((لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)) [الأنعام:103]، وقال تعالى: ((لن تراني))، ((ليس كمثله شيء)).
فما ورد مخالفا في الظاهر لهذه الأدلة القرآنية والعقلية، فيجب تفسيره بما يوافقها، فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه كما قدمنا.
ومما يؤيد أن المراد بقوله تعالى: ((لا تدركه الأبصار))، عموم أوقات الدنيا والآخرة، أنها وردت في ضمن مدائح سردها الله سبحانه وتعالى، قبلها وبعدها، ولا يتمدح الله سبحانه وتعالى إلا بما يختص به جلاله وعظمته، ويخالف به مخلوقاته.
فلو أنه سبحانه وتعالى سيراه المؤمنون يوم القيامة، لما صح ذلك التمدح، ولم يكن مختصا بتلك الصفة، بل قد يشاركه كثير من المخلوقات المحدثات المدفونة تحت أطباق الثرى، والمحجوبة في غيابات الفضاء، قال تعالى: ((ويخلق ما لا تعلمون)) [النحل:8]، وقال تعالى: ((سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون)) [يس:36].
إذا فلا يتم التمدح إلا إذا كان المعنى على أنه تعالى مفارق لجميع المخلوقات مفارقة ذاتية لا تمكن معها الرؤية، ولا يجوز الإدراك.
صفحه ۳۵