في نوادر الأذكياء
الأذكياء
أحمد بن طولون والسائل
جلس أحمد بن طولون يوما في منتزه له يأكل، فرأى سائلا في ثوب خلق، فوضع يده في رغيف ودجاجة وقطع لحم وقطعة فالوذج، وأمر بعض الغلمان بمناولته إياها، فرجع الغلام وأخبره أنه ما هش له، فقال ابن طولون للغلام: جئني به. فمثل بين يديه، فاستنطقه، فأحسن الجواب، ولم يضطرب من هيبته، فقال له: أحضر لي الكتب التي معك، واصدقني عمن بعث بك، فقد صح عندي أنك صاحب خبر. واستحضر السياط، فاعترف له بذلك، فقال بعض من حضر: هذا والله السحر! فقال أحمد: ما هو بسحر، ولكنه قياس صحيح، رأيت سوء حال هذا فوجهت إليه بطعام يسر إذا أكله الشبعان، فما هش له، وما مد يده، فأحضرته فتلقاني بقوة جأش، فلما رأيت رثاثة حاله، وقوة جنانه؛ علمت أنه صاحب خبر.
ابن طولون والحمال
رأى ابن طولون يوما حمالا يحمل صندوقا وهو يضطرب تحته، فقال: لو كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لفاضت عنق الحمال، وأنا أرى عنقه بارزة وما هذا إلا من خوف ما يحمل. فأمر بحط الصندوق؛ فوجد فيه جارية قد قتلت، فقال: اصدقني بحقيقة حالها؟ فقال: أربعة أشخاص في دار كذا أعطوني هذه الدنانير وأمروني بحمل هذه المقتولة، فضرب الحمال مائتي عصا، وأمر بقتل الأربعة.
ابن أبي زيد وأبو جعفر الموسوي
قال أبو جعفر الموسوي: دخلت على أبي نصر بن أبي زيد وعنده علوي مبرم فتأذى بطول جلوسه وكثرة كلامه، فلما نهض قال لي أبو نصر: ابن عمك هذا خفيف على القلب! فقلت: نعم. فقال: ما أظنك فهمت. فعلمت أنه أراد خفيفا مقلوبا وهو الثقيل.
القاضي ومستودع الكيس والرجل
قال يزيد بن هارون: تقلد القضاء بواسط رجل ثقة، كثير الحديث؛ فجاء رجل فاستودعه، وبعض الشهود كيسا مختوما، ذكر أن فيه ألف دينار، فلما حصل الكيس عند الشاهد وطالت غيبة الرجل قدر أنه قد هلك، فهم بإنفاق المال وفتق الكيس من أسفله وأخذ الدنانير، وجعل مكانها دراهم، وأعاد الخياطة كما كانت، وقدر أن الرجل وافى وطلب الشاهد بوديعته، فأعطاه الكيس بختمه، فلما حصل في منزله فض ختمه؛ فصادف في الكيس دراهم، فرجع إلى الشاهد، فقال له: عافاك الله، اردد علي مالي؛ فإني استودعتك دنانير، والذي وجدت دراهم مكانها! فأنكر ذلك واستعدى عليه القاضي المتقدم ذكره، فأمر بإحضار الشاهد مع خصمه، فلما حضرا سأل الحاكم: منذ كم أودعته هذا الكيس؟ قال: منذ خمس عشرة سنة. فأخذ القاضي الدراهم، وقرأ سككها، فإذا هي دراهم منها ما قد ضرب منذ سنتين أو ثلاث ونحوها، فأمره أن يدفع الدنانير إليه؛ فدفعها إليه، وأسقطه، وقال له: يا خائن، ونادى مناديه: ألا إن فلان ابن فلان القاضي قد أسقط فلان ابن فلان الشاهد فاعلموا ذلك، ولا يغتر به أحد بعد اليوم، فباع الشاهد أملاكه بواسط، وخرج عنها هربا، فلم يعلم له خبر.
صفحه نامشخص