وعليه فإذا أعدنا على القراء الكرام ذكرى هذه الحرب المشئومة، فإننا إنما نعيدها مجلوة ببدائع الوقائع ومزدانة بطلاوة المستغربات من الأمور، فيجدون في مطالعتها جليسا في الخلوة وأنيسا في الوحشة ويلتهون في ساعات الفراغ باللذيذ النافع من مروياتها.
ولقد عانينا مشقة كبرى في البحث عن هذه الفكاهات اللطيفة واختيارها من بين منثورات الجرائد المختلفة والمجلات المتعددة رغبة في إطراف قراء العربية الألباء بمجموعة موفورة فيها اللذة والفائدة وحرصا على استجماع أسباب التفكهة - خلوا من مساس بالأخلاق والآداب - لمن اعتادوا قراءة مطبوعات مكتبتنا «العرب» التي - يشهد الله - لا تألو جهدا ولا تدخر وسعا في وجوه إرضائهم.
لعلنا في هذه المختارات قد أتينا على ما أردناه من الفائدة والسلام.
يوسف توما البستاني
مصر في 28 يناير سنة 1921
نوادر الحرب العظمى
يروي الكتبة في هذه الحرب بعض الروايات التي تقرب من الخرافة أو الأكاذيب منها الرواية الآتية: قيل إن الجندي المكلف بعمل القهوة في الخندق للجنود الفرنسوية في إحدى الليالي عمل إبريقه، وحمله واجتاز الحدود الفرنسوية إلى جوار الخندق الألماني، فصرخ بجنوده قائلا: «هو أنتم يا قوم ألا تريدون قهوة؟» فنظر إليه أحد الجنود مبهوتا ظانا أنه ألماني يمزح، فقال له «اذهب إلى مكانك قبل أن تتساقط عليك القذائف كالمطر.» فعمل الجندي الفرنسوي بنصيحته، ولما رأوا أنه يتوجه إلى الخنادق الفرنسوية تأكدوا أنه من الأعداء، فأصلوه نارا حامية ولكنها كانت عليه بردا وسلاما، فرجع إلى خندقه سليما. •••
وروى محدث حكاية تصح أن تكون بعيدة التصديق، قال: سقط المصباح الكهربائي الذي ينير مرمى المدافع ليلا وانطفأ وهو على مقربة من خنادق الألمان، فقال الضابط للجندي: علق هذا المصباح في مسماره الخاص به. فنهض الجندي من خندقه وصعد على سلم وعلق المصباح، ثم التفت إلى الألمان وهو واقف على السلم، وقال لهم: اطلقوا الآن النار علي.
فالتفت إليه الضابط، وقال له: انزل حالا قبل أن يشويك رصاص الأعداء.
فنزل الجندي عن السلم بكل رباطة جأش كأنما هو ينزل سلما داخل منزل على مرمى من رصاص الأعداء. •••
صفحه نامشخص