ناپلئون بناپارت در مصر
نابوليون بونابارت في مصر
ژانرها
تأليف «شارل رو» وهو كاتب بحاثة كان موظفا بوكالة فرنسا السياسية في القطر المصري، وكتابه هذا متوج برضاء الأكاديمي الفرنسية، ولكن صعوبة هذا البحث ليست في قلة مواده، ولكن في اختصاره ووضعه في الصيغة اللائقة المتناسبة، مع قيمة الحوادث في هذا الكتاب، وصعوبته أيضا ترجع إلى أن قراء العربية في حاجة إلى إيضاح أمور لم يدرسوها، ووصف رجال كثيرين لم تسبق لهم معرفة بتاريخهم، هذا فضلا عن ضرورة إيقاف قراء العربية على مختصر من تاريخ نابوليون، وعلاقته بحكومة بلاده ورجال السياسة الذين كان لهم شأن في فكرة الحملة الفرنسية على مصر، وهذا المطلب وحده كان جديرا بأن يلوي عنان الكاتب ويرد منه الطرف حسيرا.
ولكنا وقد وطدنا العزم على تأدية هذا الواجب، فلن نرجع حتى نجول فيه جولة بقدر المستطاع، فإن وفيناه حقه فهو غاية المرام، وإن قصرنا فيكون ما نضعه في هذا الباب أساسا يبني عليه من يكتب بعدنا فيه، ممن هم أغزر مادة وأفصح بيانا، ولن يذهب باجتهاد المجتهد أنه لا يصيب.
كانت مصر منذ القدم، ولا تزال إلى يومنا هذا، عروس الشرق، وخريدة عقد للعالم المتوسط، ولذا كانت دائما مطمح أنظار الدول التي يقوى شأنها في هذه الدنيا، ولو كانت مصر هذه بنيلها وأرضها الخصبة، وأهلها الذين سلس قيادهم، وسهل حكمهم، في مكان غير مكانها الجغرافي الذي هي فيه، كأن تكون في آسيا أو في أمريكا مثلا، لما تطلعت إليها الأنظار، ولما تسابق نحوها القواد العظام، والدول العظيمة الشأن؛ لأن ثروة مصر الطبيعية القاصرة على الأرض والزرع، ليست في حد ذاتها مما يبعث على الطمع والجشع، فكل ما يخرج منها يكفي لأبنائها، ولكن وجودها على مفرق الطرق، وملتقى أشعة العالم، وكونها «الطريق السلطاني» لمتاجر الشرق والغرب، هو الذي جعل لها هذه الأهمية، ووجه إليها المطامع منذ القدم وإلى اليوم.
فلذلك لم يكن غرض الاستيلاء على مصر، في كل الأوقات، موجها لها بالذات، بل كثيرا ما كان للقضاء على نفوذ دولة من الدول، أو عرقلة لنمو أمة من الأمم، ولا شأن لنا أن نضرب على هذه النظرية الأمثلة من التاريخ القديم؛ إذ تكفينا حوادث القرن الماضي وما تقدمه، للتدليل على ما نقول ، وخصوصا فيما نحن بصدده من تاريخ الحملة الفرنسية على مصر، فإن تاريخ هذه الفكرة يرجع إلى عهد أبعد، حين لم يكن يحلم أحد فيه بالثورة الفرنسية، أو جمهوريتها، ولا نابوليون وفتوحاته، وإمبراطوريته.
فقد كان ليبنتز
Leibnitz
2
أول من فكر في ذلك؛ إذ كان لويس الرابع عشر في سنة 1672 يحارب بلاد الفلمنك «هولانده» التي كان لها في ذلك العصر نفوذ كبير، ومستعمرات ومتاجر واسعة في الشرق والغرب - تلك المستعمرات التي من بقاياها الآن صومترا وجلوه الإسلاميتان - فكتب ذلك الرجل الكبير إلى لويس الرابع عشر يقول: «إذا كان مولاي يريد القضاء على جمهورية هولاندة فأحسن وسيلة لذلك هي ضرب هذه الأمة في مصر هناك حيث يوجد طريق الهند، وحيث يمكن تحويل التجارة الهولندية إلى طريق مصر.»
ثم لما قويت سلطة روسيا، وامتد رواق فتوحاتها على المماليك العثمانية، في أواخر القرن الثامن عشر؛ أي: في الوقت الذي حاول علي بك الكبير الاستقلال بملك مصر، خافت فرنسا من استيلاء الروسيا على الآستانة، وتمزيق شمل الدولة العثمانية، فارتأت حكومة لويس السادس عشر، قبل الثورة الفرنسية، ببضع سنوات، أن تحتل مصر غنيمة لها من ميراث الدولة العثمانية، وفي هذا الصدد قال مسيو ده سارتين
M. de. Sartine
صفحه نامشخص