الأول أمرا آخر ينظر به إلى فوق - وأما النظر إلى أسفل واعتباره فلا: فلو أجاز أن يقع القصد الأول إلى الجهة حتى يكون تشبها بالأول لجاز في نفس اختيار الحركة فكانت الحركة لأجل ما يجب يفيض عنها وجود ليس تشبها به من حيث هو كامل الوجود معشوقه وإنما ذلك لذاته من حيث ذاته ولا مدخل البتة لوجود الأشياء عنه في تشريف ذاته وتكميلها بل المدخل أنه على كماله الأفضل وبحيث يبعث عنه وجود الكل لا طلبا وقصدا فيجب أن يكون الشوق إليه من طريق التشبه على هذه الصورة لا على ما يتعلق للأول به كمال " فإن قال قائل " إنه كما قد يجوز أن يستفيد الجرم السماوي بالحركة خيرا وكماله والحركة فعلا له مقصود فكذلك سائر أفاعيله. فالجواب أن الحركة ليست تفيد كمالا وخيرا وإلا لانقطعت عنده بل هي نفس الكمال الذي أشرنا إليه وهي بالحقيقة استثبات نوع ما يمكن أن يكون للجرم السماوي بالفعل إذ لا يمكن استثبات الشخص له فهذه الحركة لا تشبه سائر الحركات التي تطلب كمالا خارجا عنها بل تكمل هذه الحركة نفس المتحرك عنها بذاتها لأنها نفس استيفاء الأوضاع والأيون على التعاقب وبالجملة يجب أن يرجع إلى ما فصلناه فيما سلف حين بينا أن هذه الحركة كيف تتبع تصور المتشوق وهذه الحركة شبيهة بالثبات " فإن قال قائل " إن هذا القول يمنع من وجوده العناية بالكائنات والتدبير المحكم الذي فيها فإنا سنذكر بعد ما يزيل هذه الأشكال ويعرف عناية الباري عز وجل بالكل على أي سبيل هي وأن عناية كل علة بما بعدها على سبيل هي وأن الكائنات التي عندنا كيف العناية بها من المبادئ الأول والأسباب المتوسطة فقد اتضح بما أوضحناه أنه لا يجوز أن يكون شيء من العلل يستكمل بالمعلول بالذات إلا بالعرض وأنها لا تقصد فعلا لأجل المعلول وإن كان يرضى به ويعلمه بل كما أن الماء يبرد بذاته بالفعل ليحفظ نوعه لا ليتبرد غيره ولكن يلزمه أن يبرد غيره والنار تسخن بذاتها بالفعل لتحفظ نوعها لا لتسخن غيرها ولكن يلزمها أن تسخن غيرها والقوة الشهوانية تشتهي لذة الجماع لتدفع الفضل ويتم لها اللذة لا ليكون عنها ولد ولكن يلزمه ولد والصحة هي صحة بجوهرها وذاتها لا لأن تنفع المريض لكن يلزمها نفع المريض - كذلك في العلل المتقدمة إلا أن هناك إحاطة بما يكون وعلما بأن وجه النظام والخير فيها كيف يكون وأنه على ما يكون " وليس في تلك " فإذا كان الأمر على هذا فالأجرام السماوية إنما اشتركت في الحركة المستديرة شوقا إلى معشوق مشترك - وإنما اختلفت لأن مباديها المعشوقة المتشوق إليها قد تختلف بعد ذلك الأول وليس إذا أشكل علينا أنه كيف
صفحه ۲۲۳