فصل في أن لكل فلك جزئي محركا أولا مفارقا قبل نفسه يحرك على أنه معشوق فإن المحرك الأول للكل مبدأ لجميع ذلك
وأنت تعلم أن جوهر هذا المحرك الأول واحد ولا يمكن أن يكون هذا المحرك الأول الذي لجملته السماء فوق واحد وإن كان لكل كرة من كرات السماء محرك قريب يخصه ومشوق معشوق يخصه على ما يراه المعلم الأول ومن بعده من محصلي الحكمة المشائية فإنهم إنما ينفون الكثرة عن محرك الكل ويثبتون الكثرة للمحركات المفارقة وغير المفارقة التي تخص واحدا واحدا منها فيجعلون أول المفارقات الخاصة محرك الكارة الأولى وهي عند من تقدم " بطليموس " كرة الثوابت وعند من يعلم بالعلوم التي ظهرت لبطليموس كرة خارجة عنها محيطة بها غير مكوكبة وبعد ذلك فمحرك الكرة التي تلي الأولى بحسب اختلاف الرأيين - وكذلك ما بعدها وهلم جرا. فهؤلاء يرون أن محرك الكل شيء ولكل كرة بعد ذلك محرك خاص والمعلم الأول يضع عدد الكرات المتحركة على ما ظهر في زمانه ويتبع عددها عدد المبادئ المفارقة وبعض من هو أسد قولا من أصحابه يصرح " ويقول " في رسالته التي في مبادئ الكل أن محرك جملة السماء واحد لا يجوز أن يكون عدد كثيرا وإن كان لكل كرة محرك ومتشوق يخصانه والذي تحسن عبارته عن كتب المعلم الأول على سبيل تلخيص وإن لم يكن يغوص في المعاني يصرح " ويقول " ما هذا معناه إلا أن الأشبه والأحق وجود مبدأ حركة خاصية لكل فلك له على أنه فيه ووجود مبدأ حركة خاصية له على أنه معشوق مفارق - وهذان أقرب قدماء تلامذة المعلم الأول من سواء السبيل ثم القياس يوجب هذا فإنه قد صح لنا أيضا بصناعة المجسطي أن حركات وكرات سماوية كثيرة ومختلفة في الجهة وفي السرعة والبطء فيجب أن يكون لكل حركة محرك غير الذي للآخر ومتشوق غير الذي للآخر وإلا لما اختلفت الجهات ولما اختلفت السرعة والبطء: وقد بينا أن هذه المتشوقات خيرات محضة مفارقة للمادة وإن كانت الكرات والحركات كلها تشترك في الشوق إلى المبدأ الأول فتشترك لذلك في دوام الحركة واستدارتها. أن اختلاف حركات السماء لأجل ما تحت السماء ونحن نزيد هذا بيانا ولنفتتح من مبدأ آخر فنقول إن قوما لما سمعوا ظاهر قول فاضل المتقدمين إذ يقول إن الاختلاف في هذه الحركات وجهاتها يشبه أن يكون للعناية بالأمور الكائنة الفاسدة التي تحت كرة القمر وكانوا سمعوه أيضا وعلموا بالقياس أن الحركات السماوية لا يجوز أن تكون
صفحه ۲۲۰