فصل في الممكن وتحقيقه
وفي الممكن اشتباه إذا ذكرناه وحللناه الحل الشافي ارتفع به كثير من الشبه والأغاليط التي تقع للناس في تناقض ذوات الجهة وتلازمها فنقول إن العامة تفهم من الممكن غير ما تفهمه الخاصة بحسب تواطئهم عليه أما العامة فيعنون بقولهم ممكن ما ليس بممتنع من غير أن يشترطوا فيه أنه واجب أو لا واجب فيكون معنى قولهم ليس بممكن أنه ليس ليس بممتنع فيكون معناه الممتنع فإذا الممكن العامي هو ليس بممتنع وغير الممكن ما هو ممتنع فكل شيء عندهم إما ممكن وإما ممتنع وليس قسم ثالث فيكون الممكن بحسب هذا الاستعمال مقولا على الواجب كالجنس له وليس اسما مرادفا له بل لأن الواجب غير ممتنع في المعنى وأما الخاصة فإنهم وجدوا معنى ليس بواجب ولا ممتنع ولم يكن عند العامة لهذا المعنى اسم فإن اسم الممكن عندهم كان لمعنى آخر لكنه كان يصح أن يقال لهذا الشيء أنه ممكن أن يكون وممكن أن لا يكون بحسب الاستعمال العامي أي بمعنى أنه غير ممتنع أن يكون وغير ممتنع أن لا يكون فنقلوا اسم الممكن وجعلوه دالا على ذاك ووضعوا اسم الممكن دالا على ما ليس بممتنع - ومع ذلك ليس بواجب وهو الذي هو غير ضروري في أحد الحالين - فهذا المعنى أخص من المعنى الذي تستعمله عليه العامة فيكون الواجب خارجا من هذا الممكن ويكون قولنا ليس بممكن ليس بمعنى ممتنع بل بعنى ليس غير ضروري بل واجب أو ممتنع فكلاهما ليسا بهذا الممكن إلا أن ضعفاء الرأي إذا قالوا ليس بممكن وهم يستعملون الممكن الخاصي يخيل لهم معنى الممكن العامي فكان ليس بممكن على معنى الممتنع عندهم وكان الواجب خارجا عن الممكن فتحيروا في ذلك فإن قالوا إن الواجب ممكن خاصي والممكن الخاصي هو الذي يمكن أن لا يكون صار الواجب عندهم ممكنا أن لا يكون وإن قالوا إن الواجب ليس بممكن ويخيل لهم أن غير الممكن ممتنع صار الواجب ممتنعا ولو أنهم راعوا حدود النظر فأخذوا الممكن في القسمين على وجه واحد لم تلزمهم هذه الحيرة فإنهم إذا أخذوا الممكن بمعنى أنه لا ضرورة في وجوده ولا عدمه فنظروا هل الواجب ممكن وجدوا الواجب خارجا عن الممكن ووجدوه ليس بممكن وحينئذ لم يلزم أن ما ليس بممكن هو الممتنع لأن الممكن لم يكن ما ليس بممتنع فيكون سلبه الممتنع بل ما لا ضرورة في وجوده ولا في عدمه فيكون سلبه سلب ما لا ضرورة في وجوده ولا في عدمه فيكون ما ليس بممكن هو ما ليس بلا ضرورة في وجوده ولا في عدمه فصدق ليس بممكن على الواجب إذ ليس هو بلا
صفحه ۱۶