150

سؤال وشرح شاف للإجابة عنه وأما الذي يتوهم من أن النفس تنسى معقولاتها ولا تفعل فعلها مع مرض البدن عند الشيخوخة أن ذلك لها بسبب أن فعلها لا يتم إلا بالبدن - فظن غير ضروري ولاحق - وذلك أنه بعد ما صح لنا أن النفس تعقل بذاتها يجب أن نطلب العلة في هذا العارض المشكك فإن كان يمكن أن يجتمع أن للنفس فعلا بذاتها وإنها أيضا تترك فعلها مع مرض البدن ولا تفعل من غير تناقض فليس لهذا الاعتراض إعتبار - فنقول إن النفس لها فعل بالقياس إلى البدن وهو السياسة وفعل بالقياس إلى ذاتها إلى مبادئها وهو التعقل وهما متعاندان متمانعان فإنهما إذا اشتعلت بأحدهما إنصرفت عن الآخر - ويصعب عليها الجمع بين الأمرين - وشواغلها من جهة البدن الاحساس والتخييل والشهوة والغضب والخوف والغم والوجع - وأنت تعلم هذا بأنك إذا أخذت تفكر في المعقول تعطل عليك كل شيء من هذه إلا أن تغلب وتقسر النفس بالرجوع إلى جهتها وأنت تعلم أن الحس يمنع النفس عن التعقل فإن النفس إذا أكبت على المحسوس شغلت عن المعقول من غير أن يكون أصاب آلة العقل أو ذاتها آفة بوجه وتعلم أن السبب في ذلك هو اشتغال النفس بفعل دون فعل فلهذا السبب ما يتعطل أفعال العقل عند المرض ولو كانت الصورة المعقولة قد بطلت وفسدت لأجل الآلة لكان رجوع الآلة إلى حالها يحوج إلى اكتساب من الرأس وليس الأمر كذلك فإنه قد تعود النفس عاقلة لجميع ما عقلته بحاله فقد كان إذا ما كسبته موجودا معها بنوع ما إلا أنها كانت مشغولة عنه - وليس اختلاف جهتي فعل النفس فقط يوجب في أفعالها التمانع بل تكثر أفعال جهة واحدة قد يوجب هذا بعينه فإن الخوف يشغل عن الجوع - والشهوة تصد عن الغضب والغضب يصرف عن الخوف والسبب في جميع ذلك واحد وهو انصراف النفس بالكلية إلى أمر واحد فإذا ليس يجب إذا لم يفعل شيء فعله عند اشتغاله بشيء أن لا يكون فاعلا فعله إلا عند وجود ذلك الشيء - ولنا أن نتوسع في بيان هذا الباب - إلا أن بلوغ الكفاية يسبب الانسياق إلى تكلف ما لا يحتاج إليه فقد ظهر من أصولنا التي قررناها أن النفس ليست منطبعة في البدن ولا قائمة به - فيجب أن يكون سبيل إختصاصها به سبيل مقتضى هيئة فيها جزئية

صفحه ۱۵۰