الحكمة والمصلحة ، وقد دل بالعقل على أنه تعالى لا يريد بذلك أجمع إلا الوجه الصحيح ، فصارت الأدلة المبينة لذلك فى الحكم كأنها مقارنة لكل خطاب صدر عنه ولكل فعل فعله ، فحسن (1) منه فى الحكمة أن يجرى خطابه على ما ذكرناه ، وليس كذلك حال الواحد منا ؛ لأن الأدلة لم تؤمن الخطأ فى (2) فعله ، ولا هو عارف بالمصالح. وإذا كان غرضه الإفهام ثم فعل ما ينقض ذلك وجب فساده ، ولذلك « جوزنا على (3) الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان المعجز أمن فيه الخطأ أن يخاطب مرة بالمحكم والمفسر أخرى بالمجمل المشتبه (4) بحسب المصالح. وقد يظن الواحد منا إذا كان عالما بطريق المتعلمين أن بعضهم إذا وكل إلى نفسه ولم يبالغ له (5) فى التفسير يكون أقرب إلى كثرة الفكر فيما يتعلمه ، فيحسن ذلك منه ، وإن لم يحسن فى غيره إلا المبالغة فى البيان. وغلبة الظن تقوم مقام العلم فيما له (6) تحسن وتقبح الأمور التى تتعلق بمنافع الغير ودفع المضار عنه. فإذا حسن ما ذكرناه فى الشاهد لم يمتنع مثله فى أفعاله « تعالى إذ » (7) كان عالما بالمصالح والعواقب.
ولهذه الجملة ، صح فيما (8) ذكره عز وجل فى القرآن من وجوه الأدلة أن يقتصر فيها على الجملة والتنبيه ، دون الاستقصاء فى شروطه ، لأن ذلك مما يعلم بظاهره المراد ، وإنما أنزله عز وجل ليبعث على النظر والفكر ، فالاقتصار فيه على الجملة ربما يكون أدعى إلى كثرة الفكر من المبالغة فى تفسيره. وعلى هذا الحد حصل فى كتاب (9) الله عز وجل التكرار والتأكيد والإطالة والإيجاز
صفحه ۲۷