فيما يتصل بالعقليات ، وفى الأحكام السمعية ، لأنه جل وعز خاطب به على حسب ما علم من الصلاح فيه.
وقد قيل فى وجه الحكمة فى ذلك : إنه (1) تعالى علم أن ذلك أدعى إلى نظر جميع المختلفين فى القرآن بأن يظن كل واحد منهم أن يجد فيه ما ينصر به (2) قوله ومذهبه ، ولذلك قال تعالى : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) فنبه بذلك على أنهم ينظرون فيه لهذا (3) القصد ، فقصدهم وإن قبح فإن نظرهم فيه يحسن ، ومن هو من أهل الدين ينظر فيه لا على هذا الحد (4).
فإذا صح أن ذلك أدعى إلى نظر الجميع فيه ، والتدبر والتفكر فى آياته ومعانيه وعجائب ما أودع تعالى فيه من الأدلة والبيان ، فيجب أن يكون أولى فى الحكمة من أن يجعله كله (5) محكما فيعلم المحق والمبطل أنه إنما يدل ظاهره على طريقة واحدة.
وليس لأحد أن يقول إن ذلك إذا كان أدعى إلى النظر فيه ابتغاء الفتنة فيجب أن يقبح! وذلك لأن النظر فى الأدلة وما يجرى مجراها يحسن على كل حال ، وإنما يقبح من الناظر أن يقصد بنظره الفتنة ، والقصد من قبله ، فإذا كان كذلك لم يؤد جعله عز وجل القرآن محكما ومتشابها إلى ما ظنه من الفساد.
ومما يقوى ذلك ، أن المتشابه يحتاج إلى نظر زائد ، فيه تعريض لثواب زائد ، فكما لا يجوز فى سائر ما شق فى التكليف أن يقال إن فيه فسادا ، بل
صفحه ۲۸