مروج الذهب ومعادن الجوهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
ولها بأرض الهند آفة عظيمة نوع من الحيوان يعرف بالزبرق، وهي دابة أصغر من الفهد أحمر ذو زغب وعينين براقتين عجيبة سريع الوثبة، يبلغ في وثبته الثلاثين والأربعين والخمسين ذراعا، وأكثر من ذلك، فإذا أشرف على الفيل رشش عليه بوله بذنبه فيحرقها. وربما لحق الإنسان فأتى عليه، وفي الهند من إذا أشرفت عليه هذه الدابة تعلق بأكبر ما يكون من شجر الساج، وهي أكبر من النخل وأكبر من شجر الجوز، تكن الشجرة منها الخلق الكثير من الناس وغيرهم من الحيوان على حسب ما يحمل إلى البصرة والعراق ومصر من خشب الساج في طوله، فإذا تعلق الإنسان بأعلى تلك الشجرة وعجز هذا الحيوان عن إدراكه لصق بالأرض ووثب إلى أعلى الشجرة، فإن لم يلحق الإنسان في وثبته رشش من بوله إلى أعلى الشجرة، وإلا وضع رأسه في الأرض وصاح صياحا عجيبا، فيخرج من فيه قطع دم ويموت من ساعته، وأي موضع من الشجرة سقط عليه بوله أحرقه، وإن أصاب الإنسان شيء من بوله أتلفه، وكذلك سائر الحيوان.
وملوك الهند تتخذ في خزائنها مرارة هذه الدابة، ومذاغيره، ومواضع من أعضائه، وهو السم القاتل من ساعته، ومنه ما يسقى به السلاح فيتلف من فوره، ومذاغير هذه الدابة كمذاغير كلب الماء الذي يخرج منه الجند بادستر، وهذا الكلب أمره مشهور عند الصيادلة وغيرهم، وهو اسم فارسي معرب، وإنما هوكند وتفسير ذلك الخصية، فعرب فقيل جند بادستر.
والدابة المتقدم ذكرها المعروفة بالزبرق لا تأوي إلى موضع يكون فيه النوشان - وهو الكركدن - وتهرب منه كما يهرب منه الفيل أيضا، والفيل يهرب من السنانير - وهي القطاط - ولا يقف لها البتة إذا أبصرها، وقد ذكر عن ملوك الفرس أنها كانت توقي الفيلة المقاتلة بالرجالة حولها ومراعاة حيل الأعداء عند الحرب بتخلية السنانير عليها، وكذلك أفعال ملوك السند والهند إلى هذه الغاية، وقد ذكر أن الخنازير ربما تهرب منها الفيلة.
وقد كان رجل بالمولتان من أرض السند يدعى هارون بن موسى مولى الأزد، وكان شاعرا شجاعا ذا رياسة في قومه ومنعة بأرض السند مما يلي أرض المولتان، وكان في حصن له، فالتقى مع بعض ملوك الهند وقد قدمت الهند أم أمه ا الفيلة، فبرز هارون بن موسى أمام الصف وقصد لعظيم من الفيلة وقد خبأ تحت ثوبه سنورا، فلما دنا في حملته من الفيل خلى القط عليه، فولى الفيل منهزما لما بصر بذلك الهر، وكان ذلك هزيمة الجيش، وقتل الملك، وغلبة المسلمين عليهم، ولهارون بن موسى قصيدة يصف فيها ما ذكرناه وهي:
أليس عجيبا بأن تلقه ... له فطن الأسد في جرم فيل
وأطرف من نسبه زوله ... بحلم يجل عن الخنشبيل
أليس عجيبا بأن تلقه ... غليظ الدراك لطيف الحويل
وأرقص مختلف خلقه ... طويل النيوب قصير النصيل
ويخضع لليث ليث العرين ... فإن ناشب الهر من رأس ميل
ويلقى العدو بناب عظيم ... وجوف رحيب وصوت ضئيل
وأشبه شيء إذا قسته ... بخنزير بر وجاموس غيل
ينازعه كك ذي أريع ... فما في الأنام له من عديل
ويعصف بالببر بعد النمور ... كما تعصف الريح بالعندبيل
وشخص ترى يده أنفه ... فإن وصلوه فسيف صقيل
وأقبل كالطود هادي الخميس ... بصوت شديد أمام الرعيل
فمر بسيل كسيل الاتي ... بخطو خفيق وجرم ثقيل
فان سمته زاد في هوله ... بشاعة أذنين في رأس غول
وقد كنت أعددت هرا له ... قليل التهيب للزندبيك
فلما أحس به في العجاج ... أتانا الإله بفتح جليل
وطار وراغم فياله ... بقلب نخيب وجسم ثقيل
فسبحان خالقه وحده ... إله الأنام ورب الفيول
العندبيل:
صفحه ۱۷۱