مروج الذهب ومعادن الجوهر

المسعودی d. 346 AH
152

مروج الذهب ومعادن الجوهر

مروج الذهب ومعادن الجوهر

والفيلة في بلاد الزنج في نهاية الكثرة، وحشية كلها غير مستأنسة، والزنج لا تستعمل منها شيئا في حروب ولا غيرها، بل تقتلها، وذلك أنهم يطرحون لها نوعا من ورق الشجر ولحائه وأغصانه يكون بأرضهم في الماء، ويختفي رجال الزنج، فترد الفيلة لشربها، فإذا وردت وشربت من ذلك الماء حرقها وأسكرها، فتقع، ولا مفاصل لقوائمها ولا ركب على حسب ما قدمنا، فيخرجون إليها بأعظم ما يكون من الحراب فيقتلونها لأخذ أنيابها؛ فمن أراضيهم تجهز أنياب الفيلة، في كل ناب منها خمسون ومائة من، بل أكثر من ذلك والاثنان منها ثلثمائة من، وأكثر من ذلك فيجهز الأكثر منها من بلاد عمان إلى أرض الصين والهند، وذلك أنها تحمل من بلاد الزنج إلى عمان، ومن عمان إلى حيث ذكرنا؛ ولولا ذلك لكان العاج بأرض الإسلام كثيرا، وأهل الصين يتخذ ملوكها وقوادها وأراكنتها الأعمدة من العاج، ولا يدخل قوادها ولا أحد من خواصها على ملوكها بشيء من الحديد، بل بتلك الأعمدة المختلفة من العاج، ورغبتهم فيما استقام من أنياب الفيلة ولم يتقوس، لاتخاذ الأعمدة منها على ما ذكرنا، ويستعمل العاج في دخن بيوت أصن أمه ا وأبخرة هياكلها، كاستعمال النصارى في الكنائس الدخنة المعروفة بدخنة مريم وغيرها من الأبخرة، وأهل الصين لا يتخذون الفيلة في أرضهم، ويتطيرون من اقتنائها عندهم والحرب عليها؛ لخبر كان لهم في قديم الزمان في بعض حروبهم.

لعب الشطرنج ومقامرة الهندبه

والهند كثيرة الاستعمال لما يجهز إليهم من العاج في نصب الخناجر، وهي الحراري، أحدها حري، وفي قوائم سيوفها، وهي القراطل، وأحدها قرطل، وهي سيوف معوجة، والأغلب في استعمال الهند العاج اتخاذها منه الشطرنج والنرد، والشطرنج ذو صور وأشكال على صور الحيوان من الناطقين وغيرهم ، كل قطعة من الشطرنج كالشبر في عرض ذلك بل أكثر، فإذا لعبوا بها فإنما يقوم الواحد منهم قائما فينقلها في بيوتها، والأغلب عليهم القمار في لعبهم بالشطرنج والنرد على الثياب والجواهر، وربما أنفد الواحد منهم ما معه فيلعب في قطع عضو من أعضاء جسمه، وهو أن يجعلوا بحضرتهم قدرا من النحاس صغيرة على نار فحم فيها دهن لحم أحمر فيغلي ذلك الدهن المدمل للجراح والماسك لسيلان الحم، فإذا لعب في إصبع، من أصابعه وقمر قطعها بذلك الخنجر، وهو مثل النار، ثم غمس يده في ذلك الدهن، فكواها، ثم عاد إلى لعبه، فإذا توجه عليه اللعب أبان إصبعا ثانية، وربما توجه عليه اللعب في قطع الأصابع والكف ثم الذراع والزند وسائر الأطراف، وكل ذلك يستعمل فيه الكي بذلك الدهن وهو دهن عجيب يعمل من أخلاط وعقاقير بأرض الهند عجيب المعنى، لما ذكرنا، وما ذكرناه عنهم فمستفيض من فعلهم.

الفيل ببلاد الهند

والهند تتخذ الفيلة في بلادها وتتناتج في أرضها، ليس فيها وحشية، وإنما هي حربية ومستعملة كاستعمال البقر والإبل، وأكثرها يأوي إلى المروج والضياع والغياض كالجواميس في أرض الإسلام، والفيلة تهرب من المكان الذي يكون فيه الكركدن على حسب ما قدمنا، فلا ترعى في موضع تشم فيه رائحة الكركدن، ويعمر الفيل بأرض الزنج نحوا من أربعمائة سنة، كذلك يذكر الزنج؛ لأنها تعرف في ديارها ومفاوزها، والفيل العظيم مما لا يتأتى لهم قتله، ومنها الأسود والأبيض والأبلق والأغبر، وفي أرض الهند منها ما يعمر المائة سنة والمائتين، ويضع حمله في كل سبع سنين.

حيوان الزبرق

صفحه ۱۷۰