مروج الذهب ومعادن الجوهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
فلما مات الإسكندرطافت به الحكماء ممن كان معه من حكماء اليونانيين والفرس والهند وغيرهم من علماء الأمم، وكان يجمعهم، ويستريح إلى كلامهم ولا يصدر الأمور إلا عن رأيهم، وجعل بعد أن مات في تابوت من الذهب ورصع بالجوهر بعد أن طلي جسمه بالأطلية الماسكة لأجزائه، فقال عظيم الحكماء والمقدم فيهم: ليتكلم كل واحد منكم بكلام يكون للخاصة معزيا وللعأمة واعظا، وقام فوضع يمه على التابوت، فقال: أصبح آسر الأسراء أسيرا، ثم قام حكيم ثان فقال: هدا الإسكندر الذي كان يخبؤ الذهب فصار الذهب يخبؤه، وقال الحكيم الثالث: ما أزهد الناس في هذا الجسد، وأرغبهم في هذا التابوت وقال الحكيم الرابع:من أعجب العجب أن القوي قد غلب، والضعفاء لاهون مغترون، وقال الخامس: ياذاالذي جعل أجله ضمانا، وجعل أمله عيانا، هلا باعدت من أجلك، لتبلغ بعض أملك، هلا حققت من أملك بالامتناع عن فوت أجلك وقال السادس: أيها الساعي المنتصب جمعت ما خذلك عن الاحتياج، فغودرت عليك أوزاره وفارقتك أيامه، فمغناه لغيرك، ووباله عليك وقال السابع: قد كنت لنا واعظا فما وعظتنا موعظة أبلغ من وفاتك، فمن كان له عقل فليعقل، ومن كان معتبرا فليعتبر، وقال الثامن: رب هائب لك كان يغتابك من ورائك، وهو اليوم بحضرتك لا يخافك، وقالى التاسع: رب حريص على سكوتك إذ لا تسكت، وهو اليوم حريص على كلامك اذ لا تتكلم، وقال العاشر: كم أماتت هذه النفس لئلا تموت، وقد ماتت، وقال الحادي عشر، وكان صاحب خزانة كتب الحكمة: قد كنت تأمرني أن لاأبعد عنك، فاليوم لا أقدر على الدنو منك، وقال الثاني عشر: هذا اليوم عظيم العبر، أقبل من شره ما كان مدبرا، وأدبر من خير ما كان مقبلا؟ فمن كان باكيا على من زال ملكه فليبك، وقال الثالث عشر: يا عظيم السلطان اضمحل سلطانك كما اضمحل ظل السحاب، وعفت آثار مملكتك كما عفت آثار الرباب، وقال الرابع عشر: يا مر ضاقت عليه الأرض طولا وعرضا، ليت شعري كيف حالك فيما احتوى عليك منها؟ وقال الخامس عشر: أعجب لمن كانت هذه سبيله كيف شرهت نفسه بجمع الحطام البائد والهشيم الهامد، وقمال السادس عشر أيهما الجمع الحافل والملتقى الفاضل، لا ترغبوا فيما لا يدوم سروره وتنقطع لذته فقد بان لكم الصلاح والرشاد من الغي والفساد، وقال السابع عشر: أنظروا إلى حلم النائم كيف انقضى.وظل الغمام كيف انجازها وقال الثامن عشر: وكان من حكماء الهند: يا من كان غضبه الموت على غضبت على الموت، وقال التاسع عشر: قد رأيتم أيها الجمع هذا الملك الماضي فليتعظ به الان هذا الملك الباقي، وقال العشرون: هذا الذي دار كثيرا والآن يقر طويلا، وقال الحادي والعشرون: إن الذي كانت الآذان تنصت له قد سكت، فليتكلم الآن كل ساكت، وقال الثاني والعشرون: سيلحق بك من سره موتك كما لحقت بمن سرك موته، وقال الثالث والعشرون: مالك لا تقل عضوا من أعضائك، وقد كنت تستقل ملك الأرض. بل ما لك لا ترغب بنفسك عن ضيق المكان الذي أنت به، وقد كنت ترغب بها عن رحب البلاد؟ وقال الرابع والعشرون، وكان من نساك الهند وحكمائها: إن دنيا يكون هكذا آخرها فالزهد أولى أن يكون في أولها، وقال الخامس والعشرون، وكان صاحب مائدته: قد فرشت النمارق، ونضدت الوسائد وهيئت الموائد، ولا أرى عميد المجلس، وقال السادس والعشرون، وكان صاحب بيت ماله: قد كنت تأمرني بالجمع، و الإدخار فإلى من أدفع ذخائرك وقال السابع والعشرون وكان خازنا من خزانه: هذه مفاتيح خزائنك، فمن يقبضها قبل أن أوخذ بما لم آخذ منها؟ وقال الثامن والعشرون: هذه الدنيا الطويلة العريضة قد طويت منها في سبعة أشبار ولو كنت بذلك موقنا لم تحمل على نفسك في الطلب، القول لتاسع والعشرن قول زوجته روشنك بنت دارا بن دارا ملك فارس: ما كنت حسب أن غالب دارا الملك يغلب، وإن كان هذا الكلام الذي سمعت منكم معاشر الحكماء فيه شماتة فقد خلف الكأس الذي تشرب به الجماعة، القول الثلاثون ما يحكى عن امه أنها قالت حين جاءها نعيه: لئن فقد من ابني أمره، فما فقدت من قبلي ذكره.
مأتم الإسكندر ودفنه
صفحه ۱۲۸