ملوک الطوائف و نظرات در تاریخ اسلام
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
ژانرها
وكثيرا ما خدمته المصادفات الحسنة التي شاءت أن يخلصه أحد أعدائه من عدوه الآخر.
الفصل الثاني
في العصر - الذي نحن بصدد التحدث عنه - ظهر رجلان طبقت شهرتهما الآفاق، وكلاهما كان يحمل لصاحبه حقدا قاتلا، وكانا هما اللذان بيديهما تسيير دفة الأمور في غرناطة والمرية. هذان الرجلان هما: المغربي ابن عباس، واليهودي صمويل.
فالربان صمويل هاليفي، وكان يدعى عبادة بن نغذلة، ولد في قرطبة ودرس التلمود على الربان هانوخ، الرئيس الروحي للجالية اليهودية، ثم انصرف بجد ونجاح إلى دراسة الأدب العربي وتثقف بأكثر العلوم التي كانت معروفة إلى ذلك العهد، ثم كان - بعد انقطاعه عن الدرس - بدالا صغيرا، وقضى في هذه التجارة مدة طويلة، أولا في قرطبة، وثانيا في مالقة التي أقام بها بعد الفترة التي استولى فيها بربر سليمان على العاصمة، ثم ساعفه الحظ وانتشلته بعض الفرص السعيدة من هذا المركز الوضيع.
ذلك أن حانوته كان قريبا من قصر أبي القاسم بن العريف وزير جيوش ملك غرناطة، وكان على رجال القصر في الغالب أن يراسلوا مولاهم فيما يعرض لهم من الشئون، ولكونهم جهلاء بفن الكتابة لجئوا إلى صمويل هذا ليحرر لهم ما تمس إليه الحاجة من تلك الرسائل التي أثارت إعجاب الوزير إذ ألفاها مكتوبة بأبلغ وأجزل أسلوب عربي، مما حمل الوزير عند عودته إلى مالقة أن يسأل عن المنشئ لتلك الرسائل، ولما علم أنه اليهودي استقدمه إليه، وخاطبه بقوله: «ليس خليقا بك أن تبقى صاحب حانوت، وما أجدرك أن تكون كوكبا يسطع لألاؤه في بلاط الملك، فإذا توفرت على ذلك رغبتك، فإني متخذك لي ناموسا خاصا.»
فتقبل منه هذه المنة شاكرا، وصحبه الوزير معه عند عودته إلى غرناطة، وازداد إعجابه به عندما أخذ يبادله الحديث في شئون الدولة، إذ وقف منه على رجل نادر الذكاء بين الرجال، بعيد النظر، سديد الرأي، حتى قال بعض المؤرخين اليهود: «إن النصائح التي كان يسديها صمويل كانت بمثابه أقوال صادرة عن إنسان ملهم يستوحي كلام الله ويستفسره.»
ولهذا كان الوزير يأخذ بها، ويخصه بجميل الثناء، ولما أحس الوزير بدنو الأجل في مرضه الذي مات فيه، جاء الملك يعوده، وقد داخله حزن عميق على وزيره، وخادمه الأمين الذي سيفقده ولا يجد من يخلفه، فانتهز هذه الفرصة وقال للملك: «لم تكن النصائح والآراء الرشيدة التي كنت أبديها لك أيها الملك في العهد الأخير صادرة مني بل كانت وحيا أتلقاه من صمويل ذلك اليهودي الذي آثرت أن يكون ناموسي الخاص، فأقصر نظرك عليه واتخذه أبا لك ووزيرا، أخذ الله بيدك، وشد به أزرك.»
وقد عمل حيوس الملك بهذه النصيحة، وأحل صمويل بالقصر
1
محل وزيره الراحل، وصار هذا اليهودي ناموس الملك ومستشاره.
صفحه نامشخص