ملوک الطوائف و نظرات در تاریخ اسلام
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
ژانرها
إلا أنه أنف هذه الحال فهرب، وسار مع قافلة ذاهبة إلى فلسطين، ووصل إلى بيت المقدس وهو في أشد حالات الإملاق، وإنه ليتنقل في بعض طرق المدينة، إذ وقف على دكان حصري، وأخذ ينظر إلى عمله بانتباه شديد، فسأله الحصري: «هل تعرف هذه الصناعة؟»
فأجابه محزونا: «كلا، وأنا آسف لأنه لا سبيل إلى أن أعيش وأكسب ما أسد به الرمق.»
فقال الحصري: «إذن فابق معي لحاجتي إليك في إحضار الخيزران، ولك أجرك.» فقبل مسرورا، وبقي عند الحصري حتى حذق هذه الصناعة.
وما زال على هذه الحال بضع سنين، وقد أذاعوا بعد ذلك أنه عاد إلى إسبانيا في سنة 1033، ونزل مالقة ثم تحول عنها إلى المرية فوصل إليها سنة 1035، فاضطر الأمير زهير إلى إبعاده خارج حدود مملكته، فرحل إلى قلعة رباح حيث ألقى بها عصا التسيار.
هذه الرواية التي صادفت رواجا وقبولا من الشعب لا تستحق - على ما يظهر - أن تنال شيئا من الثقة، والذي وقع حقيقة هو أنه في العهد الذي كان فيه يحيى يهدد إشبيلية وقرطبة كان في قلعة رباح رجل حصري اسمه خلف يشبه الخليفة هشاما الثاني تمام الشبه، ولكن لم يقم دليل على أنه هو بعينه، وقد نفى الأمويون شيعة هشام ومعهم ابن حيان وابن حزم المؤرخان ما دار حول هشام «المزعوم» من الروايات والأراجيف وعدوه ضربا من الحيلة السياسية والخداع والقحة، وإن كان من مصلحتهم أن يهتدوا إلى مكان هشام إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
ولم يتردد خلف حين طرق سمعه كثيرا أنه شبيه هشام في أن يدعي أنه هو نفسه الخليفة هشام الثاني، وقد جازت هذه الحيلة على أهالي قلعة رباح لأن خلفا لم يكن معروف النسب عندهم، والأغرب من هذا أنهم دخلوا في طاعته، وثاروا على أميرهم إسماعيل بن دحمان ذي النون أمير طليطلة، فجاء هذا وحاصرهم ولم تطل مدة مقاومتهم، وأخرج هشاما المزعوم من المدينة فهدأ ثائر الأهالي، وعادوا إلى السكينة والخضوع. (7) دهاء القاضي
ولم ينته دور خلف عند هذا الحد، بل رجع عودا على بدء حين علم قاضي إشبيلية بخبره، وعلم الفائدة التي يجنيها من وراء ذلك الرجل إذا هو أحضره إلى إشبيلية، وكان الذي يهمه إنما هو استغلال الموقف بقطع النظر عن شخصية الرجل، كما كان يسره كثيرا أن يرتضي الناس أنه هشام ليستطيع أن يكون باسمه حزبا ضد البربر، ويكون وهو رئيس الوزراء روح هذا الحزب وزعيمه. ولهذا بادر إلى دعوة الخليفة المزعوم إلى إشبيلية ووعده بتعضيده إذا نجح في إثبات شخصيته، ولما حضر الحصري إلى إشبيلية قدمه القاضي إلى نساء هشام بالقصر، فصرحن جميعهن تقريبا بأنه هو بعينه الخليفة السابق، وعول القاضي على قولهن، وبعث إلى شيوخ إشبيلية وأمراء العرب والصقالبة يعلنهم بأن هشاما الثاني عنده ، ويدعوهم إلى حمل السلاح معه دفاعا عن حقوقه، ومؤازرة لقضية الخلافة.
وقد كلل الله هذا المسعى بالنجاح، واعترف بسيادة «هشام» محمد بن عبد الله أمير قرمونة المخلوع الذي لجأ إلى إشبيلية وعبد العزيز أمير بلنسية ومجاهد أمير دانية وأمير طرطوشة.
وعلم عامة الشعب في قرطبة علما مقرونا بالسرور أنه لا يزال على قيد الحياة، إلا أن كبيرهم الحزم بن جهور كان أقلهم تصديقا للخبر حرصا على الحكم، فلم ينخدع، ولم تجد هذه الحيلة إلى نفسه مساغا، ولكنه لم يجد سبيلا إلى مقاومة إرادة الشعب، ومخالفة ميوله، ورأى ضرورة اتحاد العرب والصقالبة تحت راية حاكم واحد، لأنه كان يخشى في ذلك الحين أن يهاجم البربر قرطبة، فلهذه الأسباب لم يناقض أغراض مواطنيه، وسمحت نفسه بأن تتجدد البيعة لهشام الثاني من جديد.
وكان من نتيجة هذه الحوادث أنه بينما كان الحزب العربي الصقلبي يتسلح ضد يحيى، كان هذا محاصرا إشبيلية، مجدا في تخريب ما يتصل بها من العمران، موطنا النفس على الانتقام الهائل من القاضي الخائن، ولكن الملتفين حوله - من بربر قرمونة الذين أكرههم على الانضواء تحت رايته - كان هواهم مع هشام الثاني، خليفتهم السابق وكانت المخابرة بينهم وبينه سائرة.
صفحه نامشخص